بقلم: زياد أبو زياد
في الخطاب الذي ألقاه نفتالي بينيت رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي أمام الجمعية العمومية في الأسبوع الماضي لم يأت على أي ذكر للفلسطينيين مما أثار الانتقادات ضده في "إسرائيل" وخاصة أولئك الذين يريدون من بينيت التزاما ً علنيا أمام الهيئة الدولية بأنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية وأن يؤكد على موقف اليمين الذي هو من صلبه، بأنه ينكر أصلا ً وجود شعب فلسطيني ويرفض اتفاق أوسلو ويصر على الاحتفاظ بكل فلسطين من النهر الى البحر باعتبارها أرض "إسرائيل" الغربية.
أما بينيت نفسه فلربما لم يذكر الفلسطينيين ويعلن موقفه منهم لكي لا يُحرج نفسه أمام المجتمع الدولي لا سيما وأنه قادم جديد الى نادي الرؤساء ويطمح الى المزيد من اللقاءات مع زعماء الدول وقادتها لكي يكرس نفسه كرئيس للوزراء على المستوى الدولي.
والحقيقة هي أن نفتالي بينيت هو أشبه بعريس الغفلة أو الزوج المحل الذي جيء به رئيسا للوزراء ليس لأنه يملك قاعدة حزبية عريضة وعددا ً من أعضاء الكنيست يؤهله لكي يكون رئيسا للوزراء وإنما جيء به لإغلاق الدائرة أمام إمكانية عودة سلفه نتنياهو الى الحكم وتم إغراؤه بمنصب رئيس الوزراء فقط للتخلص من نتنياهو.
والجميع يعرف أن حكومة بينيت هي أغرب وأعجب تحالف تم بين أحزاب من أقصى اليسار الإسرائيلي الى أقصى اليمين لا يجمعها سوى الرغبة بالتخلص من نتنياهو وهي أسيرة هذه الرغبة ولذا يتم تعداد عمرها بالأيام من جهة ويحاول أعضاؤها إطالة عمرها بالانشغال بالشؤون الداخلية التي لا يختلف عليها أحد وتجنب الخوض في أي موضوع آخر يمكن أن يفجر ائتلافها الهش. والجميع يعرف أن أكبر قنبلة موقوتة على طريق استمرار هذه الحكومة هي القنبلة الفلسطينية بمعنى أن أي حديث عن حل الدولتين أو تجميد الاستيطان أو حتى استئناف الاتصالات السياسية مع الفلسطينيين سيؤدي فورا ً الى تفكك هذا الائتلاف وسقوط الحكومة.
ومن أجل ذلك مثلا ً رفض بيني جانتس لقاء الرئيس عباس في المقاطعة لكي لا تكون للقاء صفة رسمية وآثر أن يكون اللقاء في بيت الرئيس عباس لكي يظل لقاء شخصيا ً لا صفة رسمية له، وأصر جانتس بعد الاجتماع على التوضيح بأنه تحدث مع عباس ورجاله عن التعاون الأمني، وعن تحسين ظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال فقط لا غير كزيادة عدد العمالة في إسرائيل.
ورغم عدم ارتياح بينيت لهذه الزيارة إلا أنه بلعها لأنه جاءت ضمن معايير وشروط جعلت من السهل عليه التقليل من أهميتها. وأما بينيت نفسه فقد قال حين سئل عن إمكانية عقد لقاء مع عباس بأن ليس هناك ما يتحدث عنه مع عباس وأنه لا يقبل الاجتماع به لأنه ذهب الى محكمة الجرائم الدولية ضد إسرائيل.
وهنا لا بد من التطرق الى موضوعين، الأول الزيارة المرتقبة التي يمكن أن يقوم بها اثنين من وزراء حكومة بينيت من حزب ميرتس للمقاطعة والأمر الثاني هو الإنذار الذي وجهه الرئيس عباس للحكومة الإسرائيلية في خطابه المتلفز أمام الجمعية العمومية قبل اسبوعين.
لقد تداولت وسائل إعلام إسرائيلية نبأ زعمت فيه أن الرئيس عباس وجه الدعوة لاثنين من وزراء ميرتس هما وزير التعاون الإقليمي (التطبيع) عيساوي فريج ووزير الصحة نيتسان هوروفيتش لزيارة المقاطعة وأن هذه الزيارة ستتم قريبا وربما في الأسبوع الحالي أو الأسبوع القادم. وقد بادر مكتب بينيت الى التوضيح بأن القانون لا يمنع حدوث هذه الزيارة طالما أن الوزيرين لن يقوما بها بصفتهما الرسمية ولن يقوما بإجراء أية محادثات رسمية مع الطرف الفلسطيني.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الغاية وما هو المكسب السياسي الذي سيحققه الطرف الفلسطيني من مثل هذه الزيارة سوى مناكفة بينيت من جهة وتضليل الرأي العام العالمي بان هناك في إسرائيل سياسيين معتدلين وأن هناك امكانية للقاءات رسمية إسرائيلية فلسطينية؟
قد يكون هناك في رام الله من يعتقد بأن زيارة وزيرين من حكومة بينيت للمقاطعة يُشكل اقتحاما ً للجدار الإسرائيلي، وقد يكون هؤلاء في لهفة الانتظار لقدوم هذين الوزيرين والتقاط الصور التذكارية معهما، ولكنني أقول لهؤلاء لا تخدعوا أنفسكم ولا تستمروا في صناعة الوهم والعيش عليه. فهذه ليست أول زيارة يقوم بها قادة ميرتس للمقاطعة فقد سبقتها عدة زيارات لم تسفر عن أي شيء ، ووجود ميرتس في حكومة بينيت لن يستطيع عمل قيد أنملة في الشأن السياسي، وأن حكومة فيها رموز أقصى اليمين الإسرائيلي المتطرف أمثال أييلت شاكيد ونفتالي بينيت وجدعون ساعر لن تقبل بأي حال من الأحوال الدخول في أي علاقة مع الفلسطينيين لأن هؤلاء ينكرون أصلا ً وجود فلسطينيين ، وأن قول جانتس للفلسطينيين عند زيارته لبيت الرئيس عباس بأنه يطمح بأن يكون رابين لا يعني شيئا ً على الصعيد السياسي الإسرائيلي. وعلى أية حال فإن وجود ميرتس في الحكومة هو صدفة بحكم الظروف، وإسقاط حكومة بينيت سيكون قريبا ً سواء بمسعى من الجانب الفلسطيني أم نتيجة تحالفات جديدة داخل إسرائيل يجري العمل عليها ليل نهار من تحت الطاولة. والبديل الذي سيخلف هذه الحكومة سيكون بالتأكيد حكومة يمين موسعة غير مقيدة الأيدي كحكومة بينيت بل حكومة تملك حرية العمل لتصعيد وتكثيف الهجمة الاستيطانية الشرسة وتكريس تغيير معالم القدس ومقدساتها.
ويقينا أن التوجه الى المحكمة الدولية بعد عام لن يأتي بأي ثمرة سواء آنية أو مستعجلة لأن العمل الإسرائيلي الدؤوب لتغيير الأمر الواقع على الأرض لن يتوقف ولأن إجراءات هذه المحكمة ستأخذ سنوات طوال وأن فرصة بقاء مساحة من الأرض لإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب إسرائيل لم تعد قائمة وأن الخيار الوحيد الذي أمامنا إذا استمر الوضع القائم هو العيش في ظل نظام فصل عنصري بالضفة قد يمتد عشرات السنين، ولكنه سيسقط في النهاية ويؤول الى الدولة الواحدة بعد عناء مرير وصراع دموي لا لزوم له لو فهم ذلك الطرف الآخر وتخلى عن عنصريته.
إن التوجه للمحكمة الدولية هو كمثل تلك المرأة التي أوقدت نارا ً تحت حلة فيها ماء وحجارة لتوهم أطفالها بأنها تطبخ لهم الطعام بينما هي تسعى لكي تلهي أطفالها الذين يتضورون جوعا الى أن يناموا.
نحن بحاجة الى جرأة في مواجهة الواقع والى التخلص من الأوهام والأحلام والى إعادة النظر في كل الأساليب القديمة التي جربناها وفشلت والى أن نفهم بأن من الغباء تكرار العمل بنفس الوسائل وتوقع نتائج مختلفة. نحن بأمس الحاجة لأن نبدأ من داخل بيتنا لا أن نترك عملية التداعي والانهيار مستمرة ونغلق أعيننا عنها وننصرف الى سوق التسول السياسي الدولي الذي لا يرحم الضعفاء.