نبأ – الخليل – لؤي السعيد
نافذة البيت الأولى تطلع على معسكر جيش الاحتلال في البلدة القديمة وسط الخليل، النافذة الثانية تطلع على بؤرة الاستيطان الأولى في الخليل "بيت هداسا" أما شرفة منزلها أشبه بسجن وسط الفضاء وتطل على شارع الشهداء شريان الخليل القديم الذي قسم الخليل إلى قسمين.
زليخة المحتسب خمسينية تعيش في بيتها المطل على شارع الشهداء في الخليل رفقة والدتها المسنة، يحاصرها الاستيطان من جهاتها الأربع، قبل إغلاق شارع الشهداء كان مدخل بيتها يمر بالشارع أما بعد القرارات الإسرائيلية التي أغلقت الشارع، اضطرت زليخة لشق باب فرعي من جهة بيتها الخلفية لكي تستطيع الوصول.
تقول زليخة إنها ولدت وتربت في هذا المنزل ولو كان والدها على قيد الحياة لكان عمره يفوق عمر الاحتلال، سكنت شارع الشهداء من الصغر وفي أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 بدأت سلسلة اعتداءات وتضييقات درامية بلغت ذروتها في عام 2003 عندما أغلقت سلطات الاحتلال باب المنزل واضطررت إلى العبور من بيت جيراني لمنزلي
وتضيف أن الاعتداءات لم تتوقف عند إغلاق مدخل بيتها الرئيس وشارع الشهداء، بل مستمرة بشكل يوميّ من المستوطنين، مشيرًا إلى أن المستوطنين يلقون الحجارة والأوساخ على نوافذ منزلها، والتي تسمّيها (الهدايا السئية) خاصة في احتفالاتهم ومناسباتهم.
طرقات المستوطنين العنيفة على أبواب منزل زليخة لا تتوقف ليلًا، فتشعر زليخة بالخوف والرهبة، وتفتقد الأمان، تقول إنّ هذه الاعتداءات تضاعفت في السنوات الثلاث الأخيرة، فصارت لا تعرف النوم.
اعتداءات المستوطنين دفعت زليخة لوضع الشبك على نوافذ والبلكونة، وتقول "أشعر وكأني أعيش في سجن" وهذا السجن شاركت في صنعه لنفسي لكي أحمي نفسي وعائلتي من الاعتداءات المستمرة.
بحسرة وألم تقف زليخة على شرفة منزلها لتسقي ورودها، علها تخفف عليها هول المنظر، وتستذكر السنوات الماضية التي كانت فيها طفلة تعبر شارع الشهداء بسلاسة ودون تضييق ولا أذونات حركة.
تعرضت زليخة لعشرات الاعتداءات، لكن الاعتداءات أخذت منحى آخر فصار الجيش يستبيح سطح منزلها في أي وقت يريد بحجة حماية وتأمين الشارع والمستوطنين، اعتقلت زليخة أكثر من مرة وأصيبت بجروح وكدمات في اعتقالها الأخير رغم كبر سنها.
أنا أحب العيش.. بغصة تقول زليخة، أسست مطعمي الشعبي الخاص لتقديم الوجبات لزائرين والسياح لمدينة الخليل خاصة أنني أعمل في أوقات فراغي كدليل سياحي، 12 امرأة من سكان الحارة القديمة تساعد زليخة في مطبخها "نكهات خليلية" يطهين الأكلات الشعبية الخليلية، ومع الوقت أصبح المطبخ يشكل مصدر دخل لهؤلاء النسوة.
وتضيف "عند افتتاح المطعم كان من الأجدر مشاركة العديد من نساء البلدة القديمة في تأسيس وعمل المطبخ المنزلي، من أجل نجاح فكرة مشروعنا، وتقديم أكبر عدد من المأكولات، إلى جانب توفير مصدر رزق دائم لهن ولأطفالهن، في ظل تردي ظروف أسرهن المعيشية.
تقول زليخة إنها لن تخرج من هذا المنزل ما دامت على قيد الحياة، ولا تريد شيء من هذه الحياة إلى العيش بحرية وكرامة، لا وسط معسكرات وأوامر تفتيش واعتقال على مدار الساعة.
وتشير إلى أن سلطات الاحتلال في الآونة الأخيرة كثفت عمليات بناء بؤر استيطانية جديدة لا تبع عن منزلها سوى أمتار قليلة، كان أخرها بناء معسكر للجيش الإسرائيلي الذي يحمي المستوطنين في مدينة الخليل.