نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

طرق الأبارتهايد والاضطهاد

بقلم/ رمزي عودة: 

في كل صباح، أسافر من مدينتي الجميلة بيت لحم الى عملي في رام الله. الرحلة تستغرق في العادة ساعة ونصف الساعة. ولكنها قد تطول بسبب إجراءات التفتيش من قبل الحواجز العسكرية الاسرائيلية الدائمة والمؤقتة، أو أنها قد تطول بسبب الازدحامات المرورية نظرا لكون الطرق الالتفافية التي خصصها الاحتلال للفلسطينيين متعرجة وصعبة وخطيرة مثل طريق وادي النار.

في طريقي اليومي والمعتاد، أشاهد عشرات المرات حوادث عنصرية قلما تحدث في بقية دول العالم. ومن هذه الشواهد الغريبة مخالفات الشرطة الاسرائيلية للسيارت على مداخل المدن العربية. فغالبا، توقف وتخالف دوريات الشرطة الاسرائيلية السيارات العربية فقط (السيارات التي تحمل لوحات عربية)، ليس هذا فقط، فعندما توقفك دورية شرطة إسرائيلية فإنها تتعامل معك بأشد المعايير الأمنية، رشاشات أتوماتيكية مصوبة تجاهك، تفتيش دقيق لسيارتك، فحص هويتك، الى آخره من الاجراءات العسكرية وليس الشرطية المدنية كما هو متعارف عليه في معظم دول العالم.

ليس هذا فحسب، فالخارج والقادم من بيت لحم، عليه أن يمر من الحاجز العسكري الاسرائيلي المسمى "الكونتينر"، وهو مقام على أراضي بلدة السواحرة. هذا الحاجز العسكري يفصل بين وسط وشمال الضفة الغربية وجنوبها، وهو إن أغلق أبوابه، كما يحدث دائما في إجراءات التفتيش الدقيق، أو عندما تحدث أحداث مقاومة كأحد اجراءات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، فإنه يعزل أكثر من مليون فلسطيني مقيمين في بيت لحم والخليل عن بقية مناطق الضفة الغربية. على الكونتينر، يمنع حملة الهوية الاسرائيلية من المرور فيه خوفا على حياتهم، ويتم تفتيش السيارات يوميا، واعتقال الفلسطينيين المطلوبين، وأحيانا يتم التهكم والصراخ على المواطنيين الفلسطينيين العابرين من خلال مكبرات الصوت.

واذا ما تجاوزنا الكونتينر، فإننا سرعان ما ننتقل الى الطرق المحاذية للمستعمرات الاسرائيلية وأهمها معالي أدوميم وبيت إيل وغيرها من المستعمرات. وغالبية هذه المستعمرات شبه العسكرية تقع على سطوح الجبال، بينما تكون المدن والقرى العربية في موقع أسفل منها، وهذا بالطبع يعطي ميزة أمنية لهذه المستعمرات. الا أن العنصرية تظهر في هذه المستعمرات من خلال مستوى الترف والرفاهية التي بنيت عليه، بينما ستجد الفارق كبيرا بينها وبين المناطق العربية المجاورة لها، حيث الإمكانات ومستوى الخدمات أقل بكثير.

وعندما تصل في رحلتك الطويلة الى بلدة حزمة وهي مجاورة لمدينة القدس، فإنك تجد قطعانا من جيش الاحتلال وآلياته العسكرية تصادر الأراضي العربية وتعمد الى بناء جدار يحيط بالبلدة ويعزلها عن الطريق الذي يمر به المستوطنون، والسبب المعلن وراء ذلك، هو منع أهالي حزمة من التظاهر ضد الاحتلال والمستوطنين، وربما يكون السبب الآخر أيضا هو تجنيب المستوطنين النظر الى المناطق العربية وهم يغادرون القدس المحتلة الى بيت إيل ومستعمرات الشمال، حتى لا يتكدر صفوهم.

وبعد تعدي حزمة، في العادة، أفضل سلوك طريق ما يسمى بيت إيل عن طريق قلنديا، فطريق قلنديا مزدحم دائما، وغالبا ما تتعرض الى الاختناق أو الرصاص الحي في هذا الطريق نتيجة لاحتدام المواجهات بين الشباب الفلسطيني وجيش الاحتلال هناك. خاصة أن هذا الطريق يمر بأحد أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في رام الله وهو مخيم قلنديا. يعتبر طريق "بيت إيل" أقل ازدحاما ولكنه أكثر خطورة، لأنك ستمر بعدد كبير من القوات الاسرائيلية وراء المتاريس المتأهبة لاطلاق النار عليك اذا سلكت أي سلوك غير مفهوم لهم؛ مثل سرعة زائدة، عدم توقف على الحاجز، انزلاق في سيارتك. وغيرها من الأمور التي تحدث يوميا في أي شارع، ولكنها ستكلفك حياتك اذا سلكت طريق بيت إيل.

بالفعل، تختصر رحلة العذاب اليومية هذه، معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وتتكرر هذه الرحلة في غالبية المدن الفلسطينية. وعليك كفلسطيني وأنت تجازف في رحلتك هذه أن تتأكد من سلامة سيارتك يوميا، لأن أي عطل فيها سيسبب مقتلك، كما عليك ألا تخطئ الطريق، لأن أي خطأ في مسلكك سيؤدي بك أمام مستوطنة، وسيطلقون عليك النار فورا، تماما كما حدث مع الشهيدة الدكتورة مي عفانة وغيرها الكثير.

في النتيجة، العنصرية والفصل العنصري ستجده في كل مكان أثناء تنقلك بين المدن الفلسطينية، فعلى مداخل هذه المدن، ستجد "آرمة" كبيرة مكتوب عليها "يمنع دخول الاسرائيليين الى المناطق الفلسطينية ويعتبر دخولها جريمة يعاقب عليها القانون". 

ليس هذا فقط، وإنما يتعرض الفلسطيني للاضطهاد والتنكيل المستمر في هذه الطرق. ومع هذا يمضي الفلسطيني في الصمود على أرضه والذهاب الى عمله وجامعته وكأنه يقول للاحتلال، بأنه رغم المجازفة والخطر يعبر هذه الطرق ليؤكد أن اسرائيل دولة أبارتهايد واضطهاد، وأنه رغم كل هذا ماض في بناء دولته المستقلة.

وكالة الصحافة الوطنية