نبأ - أسماء شلش:
لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تحتل جزءا لا يستهان به في حياة الفرد اليومية, فلا يقتصر الأمر على معرفة الأخبار العاجلة أو التواصل مع الأصدقاء, بل تعدى ذلك إلى كون مواقع التواصل الاجتماعي جزءا من كينونة الفرد في هذا العالم الرقمي.
ولأن رؤساء الأموال ورجال الأعمال يبحثون دائما عن المزيد من الأرباح وجني الكثير من المال, فلم يتوانوا عن الخوض في هذا العالم واستغلاله بما يعود عليهم بمزيد من الأرباح, فأصبح المستخدم يرى إعلانا تجاريا كلما راح بصره بين موقع وآخر, فهذا إعلان عن مركز تجميل وهناك إعلان يتضمن تخفيض على السلع الاستهلاكية, وذاك إعلان عن الألبسة حتى باتت الإعلانات تضم كل ما يمكن أن يحتاجه أو يطلبه الفرد.
ليست المشكلة بوجود هذا الكم من الإعلانات. فهذا في زاويته الايجابية قد لا يحصر الفرد بسلعة معينة أو ببائع معين, إنما الأفق مفتوحة والخيارات واسعة, كما أن عملية الشراء التقليدية تتطلب وقتاً وجهداً كبيراً.
هذه الإعلانات الكثيرة وصيحات الموضة السريعة التي تتغير بين فصل وآخر باتت تشكل ضغطاً اجتماعياً على الفرد, فأصبح المرء يجد نفسه مضطرا على مجاراة هذه الصيحات واقتناء هذا الكم من السلع لاعتقاده بأن ذلك يمنحه مكانة اجتماعية ما بصفته متماشيا مع الموضة وغير كلاسيكي.
الخبير في السوشيال ميديا د.محمد ابو الرب يرى بأن الإعلام الاجتماعي كالفيسبوك وانستغرام وسناب شات يلعب دورا هاما في تشويق الناس للشراء بفعل الإيهام بوجود عروض وتصفيات واستغلال أيقونة التسمية "الجمعة السوداء" كمدخل جاذب لدفع الناس لاتخاذ قرار الشراء.
وأشار أبو الرب في تصريح لـ"نبأ"، إلى أن هذه الحالات تضاعفت بفعل الإعلانات الممولة والتصاميم الجذابة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تتاح بتكلفة زهيدة إلى حد ما، ومع تكرار خيار العرض يصبح المتلقي أمام خيار وحيد وهو البحث بين الخيارات لاتخاذ قرار الشراء بمعزل عن مسألة الحاجة للمنتج أو السلعة.
وأضاف أن ما نعدمه في عصر الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي بأن السؤال لم يعد قائما عن مدى حاجتي لهذه السلعة أو تلك بقدر ما يصب الأمر مفاضلة ورغبة جامحة بامتلاك الأشياء كمقياس للحكم على السعادة وتحقيق الذات وهو شعور آني سرعان ما يتراجع بمشاهدة سلعة أو منتج آخر يبدو أكثر قدرة على الجذب من المنتج الأول وليس الأكثر حاجة وهكذا تستمر حلقة الإعجاب والرغبة للتملك وتتصاعد بفعل عمليات الإغراء الرقمي.
فالشابة ميس رجا (21 عاما), تقول إنها تهتم بالموضة وتتابع مواقع التواصل الاجتماعي, فهي عندما تنظر لما يعرض من ملابس بماركات عالمية وعدم قدرتها على الشراء يتولد لديها إحساس بالضيق والغضب, ويدفعها ذلك بالضغط على والديها للحصول على أموال إضافية تمكنها من شراء ما ترغب بصفتها لم تزل طالبة جامعية ليس لديها مصدر دخل ثابت.
الأمر لا يقتصر على الملابس فحسب, بل تعداه إلى الأدوات المنزلية, فبيسان عوض (ربة منزل) توضح أنها عندما ترى ديكورات منزل صديقاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي "سناب شات" وما يظهر به من تنمق في النثريات والقطع المنزلية تشعر بالضيق كون الدخل الشهري لعائلتها لا يكفي لشرائها هذه القطع المعروضة على مواقع التواصل والتي وصفتها ب”الحديثة والأنيقة".
ولا تخفي بيسان، سرا في بعض الأحيان أنّه جال في بالها بيع إحدى قطع الزينة الذهبية الخاصة بها حتى تتمكن من شراء ما ترغبه وما يعرض على السوشيال ميديا، قائلة "أشعر بأن بيتي أصبح قديما, وقطعه مستهلكة, وفكرت أكثر من مرة أن أبيع ذهبي حتى أقدر أن أشتري ما يخطر في بالي من أدوات منزلية وتحف لأن راتب زوجي ما بكفي لهاي الأمور" .
بدورها، قالت الأخصائية النفسية غدير ثابت إن كثرة تصفح الفرد لمواقع التواصل الاجتماعي ورؤيته للعديد من السلع واطلاعه على آخر صيحات الموضة وعدم تمكنه من امتلاكها يخلق لديه شعور بعدم الرضا والقناعة بما يمتلكه وعدم رضاه عن مستواه المعيشي مما يعرضه للإصابة بحالات اكتئاب وفقدانه تقدير ذاته.
من الجيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للاطلاع عما يجري من حولنا ومعرفة آخر التطورات في مجالات الموضة والأزياء, ولكن أن تسيطر علينا هذه الكماليات وتجعلنا عبيدا لها نلهث وراء اقتنائها هذه أم المصائب.