نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

الهولوكوست ... وحروب دون كيشوت

بقلم: زياد أبو زياد

لا شك بأن هناك مبالغة كبيرة جدا ً في المعركة الدون كيشوتية الدائرة رحاها الآن بين من هاجوا ‏وماجوا ضد الرئيس عباس بسبب استخدامه صفة الهولوكوست في وصفه جرائم الحرب ‏الإسرائيلية اليومية ضد أبناء شعبنا وبين من هبوا للدفاع عن الرئيس وكأننا في حرب ضد ألمانيا ‏وليس ضد النفوذ اليهودي الصهيوني فيها. ولو أن الأمر اقتصر على التوضيح الرسمي الذي صدر ‏عن مكتب الرئيس لكنا تركنا الأبواق المعادية تنعق حتى تتعب وتسكت دون إعارتها أي اهتمام، كما ‏حدث حين حاولت استغلال قول الرئيس عن ترمب " يخرب بيتك" !.. وفشلت في ذلك.‏

فالرئيس تحدث عن المذابح التي ترتكب يوميا ً ضد أبناء شعبنا وحديثه جاء في نفس الوقت الذي ‏تتكشف فيه أسرار المذابح الوحشية التي ارتكبت ضد شعبنا في العديد من القرى والبلدات ‏الفلسطينية من قبل العصابات اليهودية خلال حرب 1948 وبعض هذه الأسرار معززة بأفلام ‏الفيديو ومقابلات مع أشخاص يهود ممن قاموا بهذه المذابح والذين يقولون وهم يضحكون ‏أحيانا ًويبتسمون أحيانا ً أخرى بأنهم لا يعرفون كم قتلوا من الفلسطينيين – لكثرة ما قتلوا - وأنهم ‏لم يكونوا يأخذوا أسرى وأنهم كانوا يقتلون بشكل جماعي من استسلموا لهم وجلسوا معصوبي ‏الأعين محاطين بالأسلاك الشائكة ، فأطلقوا عليهم نيران الرشاشات من مسافة صفر وبدم بارد، ‏وتحدث بعضهم عن أعمال اغتصاب ونهب وجرائم أخرى أقل ما يُقال فيها أنها جرائم حرب ، ‏ويتم هذه الأيام عرض فيلم إسرائيلي عن مذبحة الطنطورة كما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي ‏عددا من مقاطع الفيديو التي تقشعر لها الأبدان عما ارتكب من فظائع ضد شعبنا في حرب ال 48 ، ‏وكلنا نشهد بأعيننا هذه الأيام أعمال القتل والتنكيل التي تُمارس ضدنا شيوخا ً وأطفالا ً ونساء ً ‏بشكل يومي. ‏

ولا شك بأن الرئيس حين يتحدث عما جرى ويجري لأبناء شعبه فإنه يتحدث بمرارة وألم يصل، ‏دون أن يشعر ، الى حد الانفعال والغضب. والجميع يعرف بأنه لا يجوز محاسبة شخص عن كلمة ‏أو عبارة صدرت عنه في لحظة غضب. وكان يمكن التعامل مع ما صدر عن الرئيس بأنه زلة ‏لسان غير مقصودة في لحظة غضب إلا أن الأبواق اليهودية والصهيونية لا يمكن أن تفوت فرصة ‏لتذكير العالم بالهولوكوست والنازية والاستمرار في ممارسة الابتزاز ضد الألمان والأوروبيين ‏باعتبارهم مسؤولون عن جرائم النازية. وقد وجد هؤلاء في زلة لسان الرئيس فرصة لا يمكن أن ‏يفوتوها ليمارسوا ذلك الابتزاز.‏

ونحن جميعا ً نشارك الرئيس في غضبه وشعوره بخيبة الأمل من تقاعس العالم عن ادانة الجرائم ‏التي ترتكب ضد شعبنا، ونحن وإياه لا ننكر أن العهد النازي والجرائم التي ارتكبها بما في ذلك ‏الهولوكوست ستبقى وصمة في جبين البشرية لأجيال عديدة قادمة. ولا بد هنا من التذكير بأن ‏الهولوكوست التي يُقال أنه ذهب ضحيتها ستة ملايين يهودي لم تكن وحدها هي الجريمة التي ‏ارتكبها النازيون بل إن هناك 22 مليون روسي قتلوا من ضمن من قُتل على أيدي ‏ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ‏

وعلى العالم أن يفهم مدى شعورنا بخيبة الأمل من معاييره المزدوجة لأنه بالرغم من كل ما حدث ‏لأبناء شعبنا خلال حرب 1948 وما استمر حدوثه لهم منذ ذلك الحين وحتى اليوم يشكل نكبة ‏مستمرة، إلا أن العالم وبشكل منافق وكاذب لا يُحرك ساكنا ً إزاء ما يجري لنا ويهتز ويثور ‏ويغضب حين يتعلق الأمر باليهود أو بغيرهم من الشعوب الأوروبية كما هو الحال في أوكرانيا هذه ‏الأيام. ‏

مشكلتنا على الصعيد الإعلامي تكمن في أننا لا نحسن عرض قضيتنا أمام العالم، وبأننا لا ندرك ‏أحيانا حساسية بعض الكلمات والعبارات بالنسبة للمُتلقي الغربي، ولا ندرك أحيانا ً حجم الضغوط ‏التي تستطيع أن تمارسها ماكينة الدعاية اليهودية والصهيونية في أوروبا وأمريكا على كل من ‏تسول له نفسه المساس بالمصالح اليهودية والأدوات التي تستخدمها لابتزاز الغرب وفي مقدمتها ‏سلاح " الهولوكوست" واللاسامية، كما أننا لا نفكر حين نتعامل مع الغرب بنفس الطريقة التي ‏يفكرون هم بها ولا بالمعايير التي يتعاطونها. مع أن أبسط قواعد العمل السياسي تقتضي كل ذلك.‏

ومرة أخرى أقول بأن من الخطأ اعتبار ردود الفعل المبالغ فيها من قبل جهات يهودية وصهيونية ‏في ألمانيا أو جهات خاضعة لنفوذ هؤلاء على تصريحات الرئيس، فرصة لخوض معركة كلامية ‏ضد جهات ألمانية رسمية أو غير رسمية. فألمانيا تحاول أن تمسك العصا من المنتصف فهي لا ‏تستطيع التنكر لتاريخها ولا تستطيع أن تتخلى عن مسؤوليتها عن ذلك التاريخ، وهي تحاول في ‏نفس الوقت تقديم الدعم المالي للسلطة وللشعب الفلسطيني كم أنها وقفت أكثر من مرة الى جانب ‏حقوق شعبنا. ‏

ألمانيا دولة أوروبية مهمة جدا ً بل وتقف على رأس المجموعة الأوروبية وعلاقتنا معها يجب أن ‏تُحظى بالاهتمام اللازم.

وكالة الصحافة الوطنية