الخليل-نبأ-لؤي السعيد:
في كل دول العالم تمتاز المسافر وهي المناطق التي تحيط بأطراف المدن، بالهدوء والحياة البرية، البعيدة عن صخب المدينة وضجر السكان، لكن الحال في مسافر الخليل جنوب الضفة الغربية يختلف اختلافًا كليًا كاختلاف ما هو طبيعي في فلسطين.
مسافر يطا جنوب الخليل، تضم 19 تجمعًا فلسطينياً تبعد قرابة 24 كيلومترا عن الخليل، ويبلغ عدد سكانها قرابة الـ 1200 نسمة، موزعين على أكثر من تجمع منذ مئات السنين، ومع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 خصصت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جزءاً كبيراً من هذه التجمعات لمناطق تدريب عسكري أو ما يسمى بمناطق "إطلاق نار 918" وأصبح سكان هذه المناطق عرضة لسياسات واعتداءات الاحتلال المستمرة.
عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار السنوات الماضية على تكثيف الوجود الاستيطاني من خلال إقامة البؤر الاستيطانية والمزارع التي تديرها جمعيات استيطانية والتي باتت تشكل جزء كبيرًا من أراضي المسافر، في المقابل تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي سكان المسافر من الفلسطينيين من إقامة أو بناء أو ترميم أي منزل داخل حدود هذه المناطق، في سياسة واضحة تهدف لطرد السكان الفلسطينيين وتهويد المنطقة وتهجير أصحابها منها.
يحاول السكان الذي قطنوا الكهوف بسبب منع سلطات الاحتلال الإسرائيلية بناء أو ترميم أي منزل جديد، الحفاظ على الوجود الفلسطيني رغم الاعتداءات المستمرة عليهم من قطعان المستوطنين بحراسة وحماية جيش الاحتلال.
الناشط الشبابي في قرية التوانة سامي الهريني يقول إن المستوطنون اليهود يضعون أيديهم على أراضي المواطنين بالقوة، وينفذون حملات عربدة مسعورة ضدهم، من قتل وتدمير، ويحولون حياتنا إلى جحيم في محاولة منهم لترهيبنا وإخراجنا من أرضنا، وهذا ما لن يحصل على الإطلاق.
ويضيف "إن جيش الاحتلال خلال الأيام الأخيرة نفذ حملة اعتقالات مسعورة طالت عدد كبيرًا من سكان التجمعات في المسافر، واعتدى خلال عملية الاعتقال على أطفال ونساء وكبار بالعمر، مشيرًا إلى أنه جرى تحويل المعتقلين إلى المحكمة الإسرائيلية بحجة إزعاج المستوطنين".
يعاني سكان التجمعات من اعتداءات المستوطنين المتكررة على محاصيلهم الزراعية ومواشيهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد في هذه الصحراء الجرداء، وعند سواد الليل تقوم المجموعات المكونة من المستوطنين الذين يسكنون البؤر القريبة، بالاعتداء على بيوت المواطنين الآمنين ويعتدون على المنازل من خلال إشعال النيران في محاصيلهم الزراعية وخيامهم.
مطلع العام الجاري أطلق جنود الاحتلال النار على الشاب "هارون أبو عرام" في قرية التوانة خلال محاولته تخليص مولد كهربائي، صادره الجيش من عائلته لمنع إناره مسكنهم، ظهر أبو عرام وهو مضرج بدمائه قبل أن يسقط على الأرض.
الرصاصة التي أطلقها الجندي على الشاب هارون أصابته في عنقه، وبحسب مدير مستشفى الأهلي في الخليل الدكتور يوسف التكروري فإن الرصاصة أدت إلى تهتك في العمود الفقري وأدت إلى قطع في النخاج الشوكي ما تسبب بشلل رباعي.
صامدة أبو عرام والدة هارون تقول إن الاحتلال هدم أحلام نجلها الذي كان يستعد للزواج، هارون أصبح اليوم مقعدًا لا يقوى على الحركة ولا على الكلام، وكأن حياتنا انقلب رأسًا على عقب بعد هذه الرصاصة.
وقبل نحو شهرين من إصابة هارون، هدمت جرافات الاحتلال منزل أبو عرّام، المُشيّد من الطوب والصفيح، الواقع في خربة "الركيز"، الملاصقة للتّوانة التي وقعت فيها الحادثة، بدعوى البناء بدون ترخيص.
موسى جبريل ربعي، أحد سكان منطقة بير العد، يقول إن المستوطنين عادة ما يقومون بالاعتداء على السكان بالضرب وعلى الأغنام والمحاصيل الزراعية، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال تحاول الضغط على السكان لإجبارهم على الرحيل وبناء المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وتوسيع المستوطنات القائمة على حساب أراضي المواطنين.
وأضاف "لن نخرج من أرضنا التي رويت بدماء وعرق أجدادنا، وسنبقى مرابطين محافظين على هذه الأرض المستهدفة من قبل السلطات الإسرائيلية، التي تسعى لتوطين يهود العالم فيها".
تجري آليات الاحتلال الثقيلة تدريبات عسكرية مكثفة في المسافر، وأثناء مرور الآليات بالقرى تدوس على زروع المواطنين وتحدث فيها خراباً، وتقطع خطوط المياه الواصلة إلى مساجد وعيادات القرية، فضلاً عن الدمار التي تسبب فيه هذه الآليات بطرق وبيوت المواطنين.
وتشمل التهديدات الاسرائيلية والمطامع الاستيطانية تنفيذ عمليات ترحيل جماعية في هذه الخرب والقرى التي تبلغ مساحة أراضيها نحو (38500 دونم)، وهي: جنبه، والتبان، والفخيت، والمجاز، وحلاوة، وصفي الفوقا، وصفي التحتا، ومغاير العبيد، والركيز، والمفقرة، وصارورة، وخلة الضبع، وشعب البطم، وقواويص، وبئر العد، وطوبا، وسدة الثعلة، وسوسيا، والتواني، وهي تجمعات وخرب يقيم فيها أكثر من 3 آلاف مواطن، وتقع في التلال المطلة على النقب الشمالي.
من جانبه يؤكد منسق اللجان الشعبية والوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان جنوب الضفة راتب الجبور، أن عمليات القتل والهدم والتشريد المنظمة التي يتناوب عليها جنود الاحتلال والمستوطنين في مسافر يطا، لن تحقق هدفها في كسر إرادة المواطنين وسكان المناطق هناك.
وأضاف أنها لم تحقق هدفها بتفريغ المنطقة من كل أثر للوجود الفلسطيني الذي يرفع رايته فلاحون بسطاء عنيدون إلى درجة الموت، فهم في هذه القرى البعيدة والنائية أقصى جنوب الضفة الغربية.