نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

دموع "أمهات" أمجد ... السابقات واللاحقات ‏ واستراتيجية للتحرير أم للاستسلام!‏

زياد أبو زياد.jpg

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

أمجد نشأت أبو عليا ابن الستة عشر ربيعا ً...اسم تصدر وسائل الإعلام أمس ولكنه كغيره من ‏الأسماء سيخبو تدريجيا الى أن يختفي من الذاكرة الجمعية ويضيع بين أسماء المئات من الأطفال ‏والفتيان الذين يتساقطون كالعصافير برصاص المستوطنين وجنود الاحتلال بشكل شبه يومي...‏


سنظل كل يوم نردد اسم جديد لطفل أو طفلة ارتقى شهيدا ً. وسنظل نردد عبارات الشجب ‏والادانة والاستنكار وننعت جنود الاحتلال والمستوطنين بعبارات قاسية مثل...المجرمين ... ‏القتلة.... القطعان... ونحمل الاحتلال مسؤولية جرائمه ونطالب الإدارة الأمريكية بالتدخل لوقف ‏جرائم إسرائيل ونطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته.‏


اقتباس:" هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير تتحمل نتائجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تعمل ‏ليل نهار على توفير الحماية للمستوطنين القتلة ضاربة بعرض الحائط كل قرارات الشرعية ‏الدولية والقانون الدولي الذي يؤكد أن الاستيطان بجميع أشكاله غير قانوني ولا شرعية له على ‏الأرض الفلسطينية".‏
‏ انتهى الاقتباس. ‏


أمجد نشأت أبو عليا ولد في نفس العام الذي جرت فيه آخر انتخابات تشريعية عام 2006. وفي ‏نفس العام الذي ولد فيه نشأت كنا منشغلين بكتابة شهادة وفاة الديمقراطية الفلسطينية. وقبل أن ‏يبلغ أمجد السنة الأولى من عمره كان الانقلاب في غزة وفي كل يوم كان أمجد ينمو ويكبر وكان ‏الانقسام يتعمق ويتجذر، الى أن أصبح الانقسام "البغيض" مصيرا ً محتوما محكوما بمصالح ‏المتنفذين على الجانبين الذين راق لهم واستعذبوا فضائله..‏


أمجد كان يعيش حياة أبناء جيله من أطفال شعبه. ولكنه فوجئ بقسوة العيش فاضطر لترك مقاعد ‏الدراسة وللانصراف للعمل ليعيل أسرته التي أصيب الأب المعيل لها بالسرطان.‏


أمجد كغيره من أطفال فلسطين لا يعيشون طفولتهم. يختصرون مرحلة الطفولة ليتحملوا مسؤولية ‏الرجال في زمن قل فيه الرجال...وأمجد الذي ترك مقاعد المدرسة ليلتحق بعمالة الأطفال التي ‏يُفترض أنها ممنوعة بحكم القانون... قانون حماية حقوق الطفل.. لم ينشغل فقط بالبحث عن ‏لقمة العيش بل كان في نفس الوقت جزءا ً من هموم شعبه فخرج كغيره من الأطفال الى ساحات ‏المواجهة لحماية الأرض من جشع المستوطنين...‏


أمجد وحيد والديه سقط صريعا ً برصاصة استقرت في صدره من قبل قناص قاتل لم يكن في ‏موقف مضطر فيه للدفاع عن النفس، ولم يكن قصده التحذير، بل لأن هوايته هي القتل ولأن ‏الفلسطينيين الذين أمامه ليسوا آدميين بل أغيار دمهم وأرضهم وعرضهم ومالهم مستباح... ولأنه ‏يهوي أن يختبر قدرته على التسديد واصابة الهدف في المكان الذي تحدده عدسة التكبير التي على ‏فوهة بندقيته الأمريكية الصنع.‏


الصحافة المحلية تقول بأن الرئاسة والمنظمة والحكومة شجبت واستنكرت اعتداءات المستوطنين ‏وجنود الاحتلال.‏
والاقتباس أعلاه من قول مسؤول فلسطيني رفيع المستوى يتضمن عدة أمور يجب التوقف ‏عندها:‏


هو يقول بأن حكومة الاحتلال تتحمل مسؤولية نتائج التصعيد الإسرائيلي الخطير.. وتحميل ‏شخص مسؤولية أعمال يقوم بها يعني أنه سيعاقب على هذه الأعمال. فهل هذا ما يقصده ‏المسؤول الفلسطيني وهل العقاب قادم؟ لأن من يتحمل المسؤولية يتحمل النتائج المترتبة عليها. ‏ويا حبذا لو توقف الخطاب السياسي الفلسطيني عن تحميل إسرائيل المسؤولية طالما أنه غير ‏قادر على محاسبتها على أعمالها أو ... أن يستعد لمحاسبتها وعندها يحملها المسؤولية ‏ويحاسبها. ‏


وهو يقول بأن حكومة الاحتلال تعمل ليل نهار على توفير الحماية للمستوطنين القتلة، وفي ‏المقابل نتساءل ما الذي تعمله حكومته لتوفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين المسالمين العُزل ‏الذين يتعرضون لأعمال القتل اليومي من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال؟ في المعادلة الحسابية ‏البسيطة التي أمامنا: حكومة تعمل ليل نهار لحماية مستوطنيها وحكومة من حقنا أن نتساءل ماذا ‏تعمل سواء في الليل أو النهار لحماية أبناء شعبها في مواجهة الحكومة الأخرى!‏
وهو يستشهد بالشرعية الدولية والقانون الدولي. ونتساءل: متى استطاعت الشرعية الدولية ‏والقانون الدولي إعطاء الحقوق لأصحابها وهم جالسون في غرفهم المكيفة ومقاعدهم الوثيرة ‏بعيدا ً عن الميدان؟
نحن لا نواجه احتلال. نحن نواجه استيطان استعماري عنصري جاء ليقتلعنا من أرضنا ويسلبها ‏منا. ‏


أكذوبة أن إسرائيل أقيمت لتحقيق ملاذ آمن أو ملجأ لليهود المساكين الملاحقين في العالم باتت ‏شاخصة أمام الأبصار. 

واللاسامية أصبحت اللا-اسرائيلية ثم اللا-احتلالية. بمعنى أن كل من هو ‏ضد الاحتلال هو مجرم حسب المعايير الغربية التي طورت مفاهيم جديدة للاسامية.‏


استمرار القيادة الفلسطينية بتبني نفس الخطاب السياسي المهترئ والانتظار لحين تقوم أمريكا ‏ويقوم المجتمع الدولي بإعطائنا حقوقنا يجعل من هذه القيادة مجرد غطاء لاستمرار الوضع ‏الحالي، حيث يستمر سحب البساط من تحت أقدامنا، ويبتلع الاستيطان أرضنا ويقتل حلمنا ‏بالاستقلال والحرية، ونحن لا نزال نتحدث عن السلام والعملية السياسية وندعو لإحياء العملية ‏التفاوضية ونتحدث عن وهم لا حدود له ... حل الدولتين..‏


القيادة مطالبة بأن تُخرج أسلوب تفكيرها من التجميد العميق وتفتح أعينها على الواقع. وهذا لا ‏يتأتى إلا من خلال حوار وطني شامل ينسف كل الكليشيهات والأصنام ويفتح كل النوافذ للهواء ‏الجديد والنور ويضع استراتيجية جديدة للعمل ويشمر عن كل السواعد لوضعها موضع التنفيذ. ‏بما في ذلك استراتيجية للاستسلام ان لم نكن قادرين على التحرير !!!‏
والى أن يتم ذلك سيبقى كل مسؤول يُعد العدة لإلقاء خطابات وبيانات الشجب والاستنكار اليومي ‏لجرائم المستوطنين وجنود الاحتلال. وستؤوي أم أمجد كغيرها من أمهات الأطفال الذين قتلوا ‏والذين سيُقتلون... ستؤوي الى فراشها تبكي بصمت تغرق مخدتها بالدموع في ظلمات الليل، ‏ونحن ربما ننام على مخدات ريش نفكر في مصطلحات وكلمات جديدة تضيف زخما ً لبيانات ‏الشجب والاستنكار القادمة.‏

وكالة الصحافة الوطنية