نبأ - نابلس - نواف العامر
ذات يوم وعلى حاجز احتلالي لم تتمالك إحدى العجائز نفسها رغم مرضها ومعاناتها باحتجازها منذ ساعات الصباح إلى ما بعد الظهر على حاجز حوارة وشرعت بالضحك وهي تضغط على بطنها الموجوع في حالة ممزوجة ما بين الألم والضحك بعد سماعها لمقلد الأصوات الفنان الفلسطيني محمد الفقيه القادم من بيت لحم وهو يقلد العديد من أصوات الزعماء والقادة العرب والمنطقة والعالم للتخفيف عنهم خلال الاحتجاز المهين والمذل.
الفقيه يومها كان متوجها إلى نابلس حيث يدرس أبناؤه في جامعة النجاح وتقطن إحدى زوجتيه في المدينة عندما بدأ بتقديم العديد من الفقرات في خطوة متواضعة أمام المواطنين بينما كان الجندي يقف مذهولا وظن أن الرئيس عرفات قد عبر الحاجز وهو يطلق إحدى عباراته "القدس لنا واللي مش عاجبه يشرب من البحر الميت".
يروي الفنان الفقيه لوكالة الصحافة الوطنية "نبأ" نوادر من تقليده الأصوات أثناء حديثه مع عجوز مصابة بالقلب بعد سماح الجندي لزوجها الذي يرافقها للمستشفى ومنعها من العبور ناداه أحد الجنود وسأله ماذا يمكن أن يقلد وهل يستطيع تقليد شارون فأجابه أنه يمكنه ذلك ولكن بعد أن يخفف عن الطابور الطويل ويسمح للمرضى بالعبور وقد كان.
ويقول الفقيه إن الجندي "فقس من الضحك" وهو يقول "شارون على المخصوم" بصوت عربي عندها احضر الفقيه رابين ونتنياهو أيضا بتقليده لأصواتهم وتقليد رابين لحظة اغتياله بينما كان يلقي خطابه.
وخاطب الفقيه الضابط على الحاجز "أنا غدا سأظهر على التلفاز وسوف أقلد أشكال المعاناة على الحواجز ليعرف العالم ماذا تفعلون معنا مع سماعه استهتار أحد الضباط بمحامي فلسطيني أخبره انه محامي ولديه موعد لزيارة معتقلين في حوارة فما كان من الضابط إلا أن رد عليه بقوله: أنا جندي".
ورفض الفنان الفلسطيني محمد الفقيه (أبو أيمن) كافة الإغراءات المالية والمادية والمعنوية من تلفزيون الاحتلال الإسرائيلي والقاضية بتوظيفه في برنامج خاص بالتقليد في الوقت الذي لم يجد فيه فرصة تناسبه وتبعد عنه شبح تلفزيون الاحتلال.
وحسب الفنان الفقيه، عرض عليه تلفزيون الاحتلال في اتصال هاتفي استلام برنامج أسبوعي للتقليد تحت عنوان "دردشات" لتقليد أصوات الزعماء وتقديم فقرات تراثية مع إغرائه بتقديم كافة المقومات المادية والفنية التي تستلزم إنجاح البرنامج الأسبوعي إلا انه رفض العرض.
وقدم الفنان الفقيه الذي تعود جذوره لبلدة "مراح رباح" في بيت لحم فقرات عديدة في محطات تلفزة محلية في أرجاء الوطن إضافة لبرامج فنية عاجلة على شكل لقاءات فنية في راديو مونت كارلو وفضائيات عربية وأجنبية لاحقا.
وسبق للفنان الفقيه تقديم برنامج رياضي في تلفزيون بيت لحم "معلق رياضي". ويتقن الفقيه العزف على الربابة بصوت المطربين القدامى مثل عبده موسى من الأردن ومحارب ذيب الفلسطيني.
وإذ تمكّن أحد القراء أن يستمع للفقيه من خلف ستارة فإنه لا يشك لحظة واحدة بان هناك الزعيم فلان والشخصية "علان" يتحدث حقيقة ويفاجأ بعد ذلك بوجود مقلد الأصوات الفقيه.
ويجذب الفقيه بشكل غريب كافة المستحقين ويملك روحا فكاهية نادرة ويجمع الأمثال والتراثيات والشعر والزجل الشيء الكثير للاستعانة بها في تقديم فقراته الرائعة.
ويعرب الفقيه عن استيائه من عدم تقدير فن التقليد حيث يعطي الجهات الإعلامية الإسرائيلية قيمة ومعنى لهذا الفن ويستخدمونه للتعليق والاستهزاء بالشخصيات السياسية العربية والمؤثرة وشخصيات شرق أوسطية وعالمية.
ولا يعجز عن تقليد أية شخصية باللغات العربية والإنجليزية وحتى العبرية وعندما يقلد إحدى الجلسات الصاخبة في الكنيست الصهيوني تشعر أنك متابع لبث حي وميداني من القاعة إضافة لإبداعه في نقل تفاصيل التعليق على هجوم الصواريخ العراقية على تل أبيب وكافة تفاصيل تشييع جثمان الملك الأردني الراحل الملك حسين.
ويعتبر الفقيه من الشخصيات الفنية المطلوبة في الجامعات والمعاهد الفلسطينية ومحطات التلفزة بل وحتى الأعراس حيث يضفي عليها جواً من الروعة والمرح الشديدين إلا أن جائحة كورونا خنقت تواصله وحضوره الفني المناسب.
وتمكن من الإفلات مرات عديدة من حواجز قوات الاحتلال من مداخل المدن والقرى الفلسطينية بل وداخل القدس حيث انه كان يستقل سيارة أحد ركابها نسي هويته في المنزل وعند إيقاف السيارة تذكر الشاب انه لا يوجد لديه هوية فخرج الفقيه من السيارة وتوجه نحو الضابط وبدأ بتقديم فقرات فنية ميدانية بصوت رابين وبيريس ونتنياهو وجلسة في الكنيست وتجميع الجنود حوله وتعرفوا عليه وأخبرهم أنه على عجلة من أمره وهكذا غادرت السيارة الحاجز دون أية مشاكل.
وكانت البداية الفنية إبان زيارة الرئيس المصري السادات للكيان عام 78 ثم تابع تقليده للأصوات وطور نفسه عبر المطالعة والاستماع للتلفاز والإذاعات وحصل على دورة فنية متقدمة من مصر عام 95 من معهد الفنون المسرحية حيث طلبت منه إدارة المسرح التوجه نحو الغناء لجمال صوته واستخدام التقليد في تقليد المطربين الكبار القدامى إلا أن الفكرة لم ترق له.
ويقول الفقيه انه قدم عرضا فنيا في غزة وكان بين الضيوف الشيخ أحمد ياسين الذي لم يتمالك نفسه من الضحك بينما ظن الفقيه أن الشيخ أصيب بالقحة الشديدة.