نبأ-الداخل المحتل:
تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى طمس وإلغاء التراث التاريخي الفلسطيني المبني في مناطق الداخل المحتل عام 48 عبر إهماله والامتناع عن رصد الميزانيات للاعتناء به، في تمييز صارخ مكرس في القانون الإسرائيلي وسياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة.
وفي هذا السياق، تؤكد وزارة شؤون القدس والتراث "الإسرائيلية" على أنها أقيمت وتأسست من أجل الاهتمام بمواقع التراث التابعة لـ"الشعب اليهودي في أرضه"، وأنها تعمل وفق القانون ووفق الهدف الذي أقيمت من أجله. مدعية أن "المواقع الأثرية والتراثية التابعة للأقليات فهنالك وزارات أخرى تهتم بشؤونها".
وجاء هذا التأكيد في سياق جواب قدمته الوزارة إلى محكمة الاحتلال العليا، يوم الثلاثاء الماضي، وذلك ردًّا على التماس قدمته "جمعية الثقافة العربية" وجمعية "عيمك شافيه" وعدد من الباحثين والمؤرخين العرب، ضد المعايير التي نشرتها الوزارة.
هذا، ولم تحدّد محكمة الاحتلال العليا بعد، موعد عقد الجلسة التي من المُزمع أن تبت فيها بطلب الالتماس بصورة نهائية.
من جانبه قال المحاضر والباحث في العلوم الإنسانية والقانون، رامز عيد، المسؤول عن مشروع الحفاظ على التراث العربي الفلسطيني في جمعية الثقافة العربية: "نحن في جمعية الثقافة العربية انطلقنا قبل حوالي سنة ونصف السنة بمشروع يهدف إلى معالجة ظاهرة الإهمال المؤسساتي للتراث التاريخي الفلسطيني المبني (أبنية ومواقع) في الداخل المحتل، ونعمل في عدة اتجاهات، وأحد هذه الاتجاهات نقوم بفحص تعامل الوزارات الرسمية في هذا الشأن وأين يكمن التقصير، وقد توصلنا إلى وزارة – ربما لم يسمع الكثيرون عنها، باعتبارها حديثة العهد أي أنها تأسست قبل بضع سنوات - وهي وزارة شؤون القدس والتراث".
وأضاف د. عيد خلال حديثه مع موقع عرب 48 أنه "بعد أن قمنا بفحص ومعاينة كل ما نشرته في سنوات عملها القليلة، بدا واضحا لدينا أنه الوزارة المذكورة لم تقدم أي دعم للتراث العربي الفلسطيني في الداخل، وإنما يقتصر تركيزها على بنايات صهيونية. والغريب أن هذه ليست جمعية خاصة وإنما وزارة حكومية، تموّل من قبل أموال المواطنين والحكومة، وبالتالي ينبغي أن يطبق عليها مبدأ المساواة، ورأينا أن هنالك مكانا لانتقاد هذه السياسة التمييزية من خلال التوجه بالتماس إلى المحكمة العليا على أمل أن يتم إلزام هذه الوزارة بالاهتمام بكل التراث بما في ذلك التراث العربي الفلسطيني".
وأوضح أن التوجه كان نحو طريقة توزيع الميزانيات في الوزارة والمعايير المتبعة في هذا الشأن، فالأمر أشبه بما كانت عليه مناطق السكن التي تحظى بأفضلية ‘أ‘ و ‘ب‘، وحينها كان يتم الإعلان عن هذه المناطق من قبل وزارة الإسكان دون اعتماد الشفافية ودون معايير واضحة، وكانت الغالبية الساحقة من هذه المناطق يهودية، حتى جاء مركز ‘عدالة‘ الحقوقي وتقدم بالتماس طالب من خلاله اعتماد الشفافية وتوضيح المعايير التي تعمل الوزارة بموجبها، وحينها ألزمت المحكمة الوزارة باعتماد معايير واضحة، وعندها استفادت البلدات العربية من هذا الالتماس، ونحن في التماسنا تطرقنا إلى هذه القضية وضرورة اعتماد المساواة والشفافية ولا يجوز لوزارة أن تخدم فئات معينة دون سواها".
وأضاف عيد أن القانون عادة هو نسبي ومتحرك وقابل للتغيير والتعديل، وهنالك نقطة ضوء، وهي أن المحكمة العليا تتدخل أحيانا عندما تسن قوانين لا تعتمد مبدأ المساواة، وأحيانا تأمر بتغيير أو إلغاء أو تعديل قوانين معينة، فلو تحدثت إلى كل طُغاة العالم، سيقولون لك إنهم يعملون بموجب القانون، كونهم هم من وضعوا هذا القانون!".
وأشار إلى أن ما خصصته وزارات أخرى لرعاية تراث الأقليات (فلسطينيين الداخل) يكاد لا يذكر، في حين أن مجلس الحفاظ على التراث والمواقع الأثرية اليهودية، وهو الجسم المنفذ لهذه الوزارة تقدر ميزانياته بالملايين".
وشدد على ضرورة أن توضع الخطط للمحافظة على التراث الفلسطيني المبني الموجود في البلدات الفلسطينية في الداخل المحتل، وبإمكان كل سلطة محلية عربية أن تجري مسحا لهذه المواقع من خلال قسم الهندسة وتقديم تقرير عنها والعمل على صيانتها ومنع المساس بها على قلتها اليوم بعد أن هدم الجزء الأكبر منها. ونحن نناشد رؤساء السلطات المحلية العربية والمهندسين بتحمل المسؤولية ومتابعة موضوع هذه المباني الموجودة في مناطق نفوذهم".
من جانبه، قال عضو الهيئة الإدارية في جمعية الثقافة العربية، المحامي فؤاد سلطاني إن "موضوع التراث والأبنية العربية الفلسطينية مهمل منذ قيام الاحتلال، وبعد أن أجريت عملية فحص وبحث تبين أن هنالك ميزانيات هائلة ترصد للمحافظة على التراث اليهودي والعناية به ومراقبته ومتابعة شؤونه".
وتابع أنه "من هنا يتضح أنها ليست مجرد عملية إهمال للتراث العربي الفلسطيني، وإنما هنالك محاولات لطمسه وزواله ونوايا للقضاء عليه من خلال عدم صيانته والامتناع عن المحافظة عليه والاهتمام به على مدار عشرات السنوات ما قد يؤدي الى إندثاره وبالتالي زواله".
وأضاف "تفاجأنا برد الدولة ممثلة بوزارة شؤون القدس والتراث، بأنها تعمل بموجب قرارات الحكومة، بما معناه أن القانون الذي أقرته الكنيست، لا يلزمها بأن تستثمر أي شيء في التراث العربي الفلسطيني"، وشدد على أن "هذا الرد بالإضافة إلى كونه ردا وقحا فإنه يضيء ضوءا أحمر (في إشارة إلى الخطر المحدق بالتراث الفلسطيني من جراء السياسات الحكومية)".
ورأى سلطاني "ضرورة لوجود شيء بديل لسد الفراغ إلى جانب المطالبة برصد ميزانيات متساوية للمحافظة على هذا التراث"، وأكد أنه "يجب علينا نحن كمجتمع عربي أن نتنبّه له، ونفكر بطرقٍ بديلة للحفاظ على هذا التراث فيما لو ردت المحكمة الالتماس، لأن الشعب الذي لا يملك تاريخا وآثارا وحضارة قديمة يصعب عليه التمسك بأرضه ووطنه وتراثه".
وأوضح أن "المحكمة العليا لم تحدد بعد موعدا لجلسة البت في الموضوع، ولكن بعد رد بهذا الشكل من قبل الاحتلال، لا أقول إننا فقدنا الأمل ولكن أصبح الأمل ضعيفا في قبول المحكمة للالتماس وتخصيص ميزانيات في هذا الموضوع". وتابع "من تجربتنا مع المحكمة العليا فإننا لا نعلق الكثير من الآمال خاصة بعد هذا الرد الذي للأسف يعتمد على قرارات حكومة وقرارات الكنيست، فهم – بحسب الرد – يعملون وفق القانون الذي حددته لهم قرارات الحكومة والكنيست".
وأشار إلى أنه "لهذا السبب أنا أقول إنني لا أعوّل على قرار العليا. نحن في جمعية الثقافة العربية نرى بأن الموضوع جدير بالدراسة من أساسه، العمارة والتراث والتاريخ هي مواضيع جديرة بالاهتمام وإلا سنفقد الكثير من المعالم والشواهد في بلادنا".
ويذكر أنه جرى تقديم طلب الالتماس بعد أن قامت وزارة شؤون القدس والتراث بنشر معايير تمييزية لدعم المواقع التراثية في البلاد. وكانت هذه الوزارة خصصت في مناقصة سابقة مبلغ 400 مليون شيكل لـ"دعم التراث اليهودي والصهيوني" بين الأعوام 2016-2020.