القدس-نبأ-رنيم علوي:
على مدار عقودٍ مضت، سنَّ الاحتلال الإسرائيلي، عدة قوانين لإتمام السيطرة والاستحواذ على الأرض الفلسطينية، وخصَّ مدينة القدس المحتلة بإجراءات تمييز عنصري يصل لمرحلة التدخلات السياسية والأيديولوجية بصورٍ شتى.
فمثلاً، قانون أملاك الغائبين يعد قانوناً عنصرياً من الدرجة الأولى، أقره ما كنيست الاحتلال في 14\3\1950، وهو من أغرب القوانين في العالم كونه الوحيد الذي يسمح للسلطات المحتلة بمصادرة جميع أملاك أولئك الذين تركوا أرضهم خوفاً من الحرب، حتى وإن كانوا قد غابوا عنها لبضع ساعات فقط وانتقلوا إلى قرية مجاورة، وحتى الذين ما زالوا يعيشون كمواطنين شرعيين في ما تسمى" دولة الاحتلال"، ويحتوي القانون على عدد من المواد التعسفية التي تعطي الحارس حرية شبه مطلقة في وضع اليد على الأراضي، وتجعل الاعتراض على إجراءاته أمراً بالغ الصعوبة.
يعرّف القانون الغائب بالشخص الذي ترك المناطق المحتلة قبيل وخلال أو بعد حرب عام 1967، ويمنح لما تُسمى " السلطة العسكرية الإسرائيلية" حق الاحتفاظ بتلك الأراضي حتى لو أن ذلك تم بطريق الخطأ ونتيجة سوء تقدير، بانيةً ذلك على نص المادة 17 من قانون أملاك الغائبين.
فيما يتعلق بنطاق مدينة القدس قدرت مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بنحو 85 % من أراضي الفلسطينيين في الجهة الشرقية للقدس، ففي العام 1967 قام الاحتلال الإسرائيلي بإحصاء السكان الفلسطينيين، وسجّل خلاله جميع الموجودين في القدس من مواطنين، وأجبرهم خلال ثلاثة أشهر بالحصول على بطاقات هوية إسرائيلية واعتبر كل من لم يكن موجوداً آنذاك في حكم الغائب، سواء من قطن منهم في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو أي بلد عربي، وعدت أرضهم "متروكة"، فسارعت إلى تطبيق قانون أملاك الغائبين عليهم.
السياسي المقدسي راسم عبيدات قال إن الاحتلال يسعى للسيطرة على مدينة القدس بشكلٍ كامل، كمصادرة الأراضي الفلسطينية من خلال " قانون أملاك الغائبين" وغيره الكثير؛ ولكن هذا القانون يجبر الفلسطيني على التخلي عن أرضه إن تركها.
وأشار خلال حديثه لوكالة "نبأ"، إلى أن كثرة العقارات الموجودة في مدينة القدس اليوم هي عائدات لورثاء موجودين في الخارج؛ وبالتالي تغيّبهم الطويل عن المكان يجد الذريعة للاحتلال بتقاسم هذا العقار أو مصادرته بشكلٍ كامل، بذريعة " ملك غائب".
واستذكر عبيدات أمثلة كثيرة حول موضوع المصادرة أو الاستيلاء على الأراضي، وقال إن هذه العمليات لا تتم فقط بِـ " قانون أملاك الغائبين" وأن الاحتلال يمثل هذا التصرف تحت ذريعة " الجيل الثالث" بمعنى أن تلك الأراضي ليست لملّاك هذا الجيل وأن أصحابها كانوا قبل عقود موجودين.
ونوه إلى أن جزءا كبيرا من أراضي القدس في كافة اتجاهاتها وأراضي عام الـ 48، تعود إلى الشعب الفلسطيني وقد جرى الاستيلاء عليها سواء كان عن طريق "أملاك الغائبين" أو " الجيل الثالث" بسرقة المستندات والوثائق.
ولا ينكر عبيدات أنه خلال الـ 74 عاماً، الاحتلال أوجد بعض مرضى النفوس الذين يتاجرون بأرضهم، وعملوا على تحويل العقارات في مدينة القدس لما تُسمى بِـ "الجمعيات الاستيطانية".
وأكد على أن الاحتلال يسعى إلى تطوير كافة قوانينه، وبالتحديد قانون أملاك الغائبين، في ظل تنامي " السيادة الإسرائيلية" على مدينة القدس، وأن مخطط الاحتلال سابقاً كان بهدف إلى الانفصال عن الجهة الشرقية للقدس؛ إلا أنه اليوم بات الاحتلال ينظر إلى جعل القدس كاملة موحدة " عاصمة لإسرائيل".
وأردف أنه بذلك أصبح قانون أملاك الغائبين اليوم يعمل بشكلٍ دائم لتكوين كافة الزوايا بما يخدم مصالحه للسيطرة على أملاك المقدسيين؛ وصولاً إلى إثبات أحقيتهم " العاصمة الوهمية لهم" من خلال الوثائق والمستندات.
وتشير أرقام منظمة الأمم المتحدة إلى أنه في أعقاب حرب 1948 كان هناك 160 ألف مواطن فلسطيني داخل "الخط الأخضر"، 30% منهم نزحوا داخليا، في حين يبلغ تعداد الفلسطينيين اليوم في الأراضي المحتلة 1.8 مليون يشكلون 20% من التركيبة السكانية للبلاد، ويعيش 1 من كل 4 منهم في أماكن غير بعيدة عن الأراضي والممتلكات التي طردت منها عائلاتهم إثر الحرب.