نبأ – رام الله – رنيم علوي
جدلٌ كبير يشتعل بين فترة وأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي حول أنشطتها وتوجهاتها وتساؤلات تبحث عن أجوبة في مضامينها التي تغرسها بين روادها من الأطفال والمراهقين، والتي يعدها البعض مخالفة وخارجة عن القيم والعادات والتقاليد؛ فما الحقيقة؟
إنها مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، التي تأسست في القدس عام 1989، وتتخذ رؤية راسخة لها منذ نشأتها تحت عنوان "من أجل مجتمع فلسطيني تعلمي حر"، وتوظف رسالتها وفلسفة عملها وقدرات العاملين فيها وكذلك قدرات المجتمع من أجل تحقيق هذه الرؤية.
وفي هذا الحوار مع وكالة "نبأ"، يجيب أحد أعضاء المؤسسة عن دورها المجتمعي ويكشف حقيقة الانتقادات التي تتعرض لها والشائعات التي تدور حول توجهاتها الفكرية والفلسفية.
يقول أحمد حنيطي، عضو المؤسسة، "نحن في مؤسسة تامر ننطلق من رؤيتنا ومنهجية العمل في تعزيز القراءة والكتابة وتوفير مساحات آمنة للأطفال، ولذلك أقيمت مجموعة من المخيمات مرتبطة مع وزارة التربية والتعليم، من أجل معالجة الفاقد التعليمي كالمهارات التعليمية والمعرفية التي فقدها الأطفال نتيجة ظروف فيروس كورونا وإضراب المعلمين، وبالتالي كنّا جزء لمعالجة هذا الفاقد".
وأضاف حنيطي: "أقيم في كل محافظة مخيم لتعزيز هذه المهارات؛ 20 طفلاً في كلِ مخيم، كلِ واحدٍ منهم ينطلق بفكرٍ واهتماماتٍ مختلفة، فَنشاط "التاء المربوطة تطير" ترّمز بصورتها المقروءة إلى "حرية التأنيث" ترمي بأثرها على مجموع 520 من أطفال المخيمات الصيفية.
قصة " التاء المربوطة تطير"
ويسترسل حنيطي قوله: "بالشراكة مع مؤسسة إنقاذ الطفل جاءت التاء المربوطة للتركيز على القراءة والكتابة، وهي مستوحاة من قصة بِعنوان "التاء المربوطة تطير" والتي تتحدث عن حرف التاء المربوطة".
يشار إلى أن "التاء المربوطة تطير" قصة للكاتبة ابتسام بركات تتحدث عن رسائلَ نِسوية تختبئ في صراع التاء المربوطة للتحرّر من قيودها الأزلية في الأبجدية.
ويبدأ النضال في كلمة "زهرة" التي تعبر عن التخوّف من حرية التاء المربوطة لتحولها إلى زهرٍ كثير، وليس فقط زهرةً، وبالتالي تستمر في رحلة بحرية و"نورسيّة" مع الطيور.
تحرر التاء المربوطة يضع الحروف في مأزقٍ شديد، ولكن سرعان ما تعود إليها التاء المربوطة وكأنها أرادت فقط أن تُشعر الحروف بحاجتها إليها، وبالتالي فإن فكرة القصة تريد ايصال رسالة أن نضال الحرية للتاء المربوطة لم يأت لمعاقبة الحروف الأبجدية ولا لتهشيم النسيج الاجتماعي المتكامل للغة العربية، بل وبكل بساطة؛ لاعطائها الحق الأساسي في الحرية وفي اختيار المكان المناسب لها.
لا نترك طفلاً خلفنا
وأشار حنيطي، إلى فعالية أخرى وهي "لا نترك طفلاً خلفنا"، موضحًا أن "من حق الأطفال جميعاً بلا استثناء أن يتلقوا التعليم الجيد، وبالتالي عدم ترك أي طفل مهما اختلفت ظروفه من شأنها أن تحد من وصوله للتعليم".
وفي تعليقٍ عَبر منصة الفيسبوك قال أحد المواطنين موجهاً كلامه للصفحة الرسمية للمؤسسة : " ما هو رأيكم بما يشاع عن أن نشاطاتكم تشمل التطرق إلى مواضيع جندرية بمفهومها الغربي وذلك للأطفال في المخيمات الصيفية؟".
رد حنيطي مجيباً على ذلك: "هذا جزء من ممارسات المؤسسة وثقافتها، وأن تُخرج فكر ينحدر حول عدم التمييز ضد المرأة، وأن من حق الأطفال الحصول على المعرفة، والتوعية في القضايا الثقافية، وبالتالي هذا جزء من عملية غرس للثقافة المعرفية والوطنية لدى الطفل".
واسترسل: "للوصول إلى التطوير في الكتابة والقراءة وحتى في المناظرة والإلقاء يجب تعزيز المضامين؛ والتي جاءت من خلال معرفة مقدار كمية رفع فضول التساؤل لدى الأطفال وصولاً إلى معرفة القضايا الاجتماعية التي يعيشها الأطفال"، فهل المضامين تدخل في حيز التحرش الجنسي؟
"حَملٌ بلا زواج"
وعن صورة متداولة لأحد الناشطين في المؤسسة على مواقع التواصل تشجع على الإنجاب دون زواج بشكل مخالف للتعاليم الدينية والقيم المجتمعية، قال حنيطي، إن "هذا كله تشهير بالمؤسسة التي خرجت من خضم الانتفاضة الأولى".
وأوضح حنيطي، أن الهدف من تلك المحاولات "إيقاف عمل المؤسسة الذي استمر على مدار 33 عاماً في خدمة الأطفال؛ لتعزيز القراءة والكتابة وتوفير فرص آمنة لهم، وبالتالي فإن من يُشهّر لا يُرد عليه".
وجاء في بيان للمؤسسة:
بيان للرأي العام
مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي
دفاعاً عن حقّ الأطفال في التفكير والدهشة وطرحِ الأسئلة، وتعزيزاً لقدراتهم في التفكّر والتأملِ فيما حولهم، وانطلاقاً من حرص مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي على سلامةِ النسيجِ الاجتماعيّ والوطنيّ الفلسطيني، ومن بابِ قناعتها الراسخة بأنّ التواصلَ مع المجتمعِ المحلي هو السبيلُ لجسر الهوة حولَ أي سوء فهم، تقدمُ المؤسسة هذا البيان لتوضيحِ ما حدثَ في النادي الثقافي الذي تنفذه مديريةُ التربية والتعليم بالتعاون مع مؤسسة تامر، في مدرسة "رياض الأقصى" في ضواحي القدس.
ففي إطار التعاون بين وزارة التربية والتعليم ومؤسسة تامر وبحضور منسق المؤسسة، وضمنَ فعالياتِ النادي الثقافي المذكور، دارت مجموعة من النقاشات مع الطالباتِ حول الكون وتطوراته المادية، التاريخية والمعاصرة، حيث تأتي هذه النقاشات انطلاقاً من رؤية المؤسسة لأهمية رفع وعي الجيل اليافع بالمستجداتِ الحالية التي يشهدها العالم، من خلال حواراتٍ آمنة ومفتوحة مع مجتمعاتهم المحلية، خصوصاً في ظل الانفتاحِ التكنولوجيّ على العالم، ووصول أغلبيةِ الأطفال واليُفّع لمصادرَ معلوماتيةٍ قد تكونُ مضللة في حالاتٍ كثيرة.
وتؤكدُ مؤسسة تامر على أنّ ما نَشرهُ البعضُ لاحقاً حولَ الجلساتِ الحوارية والنقاشات، هو تضليلٌ وتشهيرٌ بالمؤسسة وكوادرها، وبثٌّ لإشاعاتٍ عاريةٍ عن الصحة، حتى بلغ بهم الأمر استخدامَ كلماتٍ مسيئةٍ جداً، وغريبةٍ عنا وعن ثقافتنا وقيَمنا المجتمعية. وبالرغم من مساعي المؤسسة الحثيثة والطويلة لاحتواء الأزمة من خلال التعاونِ مع الوزارة، وبالاجتماعِ المشترك مع الطالباتِ، والأهالي، وأطراف أخرى، إلا أنَّ حملةَ التشويهِ ما زالت مستمرة، وتصبحُ أكثرَ عنفاً.
مما لا شكَّ فيه أنَّ هذا التضليل والهجوم هو جزءٌ من الحملةِ الشرسة والحرب المعلنة على الفعلِ الثقافيّ في المجتمعِ الفلسطينيّ، والمؤسساتِ والأفرادِ العاملينَ في قطاع الثقافةِ والتعليم، وضدَّ كلّ فعل يرتبطُ بإعمالِ العقلِ والتدبر، والتفكر الذي حثت عليه الأديان.
من الجدير ذكره، أن مؤسسة تامر ومنذ انطلاقتها في العام 1989 من رحم الانتفاضة الاولى، تسعى إلى تعزيز ثقافة التعلم في فلسطين، وبناء الهوية الوطنية، والإنسانية، وتعزيزِ قيم الانتماءِ للثقافة العربية الفلسطينية الأصيلة، من خلال بناءِ شراكاتٍ واسعة وممتدة مع شبكة المكتباتِ المدرسية، والمجتمعية، التي تضمُّ أكثرَ من 400 شريكٍ في المخيمات، والقرى، والمدن، والتجمعاتِ الفلسطينيةِ المختلفة، فهذا واجبها وأحد مبررات وجودها، ولن تسمحَ المؤسسةُ لأيٍ كان، فرداً أو جهةً بأن يشكّكَ بهذا الدور أو يُسئ له.
وأخيراً، تدعو المؤسسة إلى عدمِ الانجرار وراء الفكر الإقصائيّ والتشهير بالأفراد والمؤسسات التي ساندت ولا زالت تساند صمود الشعب الفلسطيني في الحفاظِ على هويته وانتماءه. كما تهيبُ بمجتمعنا الفلسطيني، والجهات المسؤولة للوقوف أمامَ واجبها في الحفاظِ على حريةِ العملِ الثقافي، ووقف أي تحريضٍ غير عقلاني قد يؤدي الى الفتنة والعنف.
كما وتؤكد مؤسسة تامر أنّها ستلجأُ للقضاء الفلسطيني ولشركائها المجتمعيين، لحمايةِ كوادرها وطواقمِ عملها ضدَّ أي خطابٍ من أي نوع كان، قد يعرضهم للإساءة جراءَ إشاعاتٍ وأخبارَ مضللة لا أساسَ لها من الصحة.
إنّ بناءَ السلمِ الأهليّ، مسؤوليةُ الجميع، أفراداً ومؤسسات، لنحاول جميعاً أن يكونَ الحوارُ لغةً مشتركةً لنا.