نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

عن أي قنصلية أمريكية تتحدثون؟

زياد أبو زياد.jpg

عن أي قنصلية أمريكية تتحدثون؟
بقلم: المحامي زياد أبو زياد

لا أدري ما إذا كان المسؤولون الفلسطينيون الذين يطالبون الإدارة الأمريكية بإعادة فتح قنصليتها ‏في القدس العربية يعرفون تماما عما يتحدثون. فالذي تتداوله وسائل الاعلام هي صور القنصلية ‏الأمريكية في منطقة مأمن الله المتعارف عليها بالعامية الدارجة ب (ماميلا) وفي الشارع الذي ‏أطلق عليه الإسرائيليون اسم شارع أغرون.‏
وفي محاولة لإنعاش ذاكرة البعض فإنه لا بد من التذكير بأن الموقف الرسمي الأمريكي منذ عام ‏‏1948 كان ملتزما ً بقرار التقسيم رقم 181 الذي تعامل مع القدس وبعض القرى المجاورة لها ‏مع شريط من الأرض يربطها ببيت لحم كمنطقة تخضع لنظام خاص خارج نطاق السيطرة لأي ‏طرف من أطراف النزاع ‏a corpus separatum ‎‏ وهي كلمة لاتينية تعني وحدة مستقلة. ولذلك فقد تم بعد عام 1948 فتح قنصليتين بالقدس، واحدة في شارع نابلس بالقرب من بوابة ‏مندلبوم وجمعية الشبان المسيحية بشارع نابلس بالقدس الشرقية وواحدة في القدس الغربية في ‏شارع أغرون. وكان القنصل الأمريكي في القدس الشرقية منذ ما بعد احتلال 1948 يُقدم أوراق ‏اعتماده لمحافظ القدس وليس لوزير الخارجية الأردني لأن أمريكا لا تعترف بالقدس الشرقية ‏جزءا ً من الأردن، وكان القنصل الأمريكي في القدس الغربية يُقدم أوراق اعتماده لمتصرف ‏القدس الإسرائيلي لنفس السبب. أي أن الموقف الأمريكي لم يكن يعترف بسيادة أحد على مدينة ‏القدس وكان يقول بأن وضع القدس يجب حسمه على مائدة المفاوضات.‏
وأذكر في السنوات الأولى للاحتلال أنه في الرابع من تموز عيد استقلال أمريكا كان يُقام في كل ‏عام حفل استقبال للعرب في حديقة القنصلية بشارع نابلس وحفل استقبال آخر للإسرائيليين في ‏القنصلية التي بشارع أغرون. وقد دعيت أكثر من مرة للاحتفال في القنصلية بشارع نابلس ‏وكانت تقتصر الدعوة على عرب القدس الشرقية والضفة وقطاع غزة.‏
ولكن هذا الوضع لم يستمر ففي أوائل الثمانينيات بدأ عمل حفل استقبال واحد في حديقة القنصلية ‏في القدس الغربية. وحين أبدى بعض الشخصيات الفلسطينية بالقدس والضفة وغزة – وكاتب ‏هذا المقال كان واحدا ً منهم- اعتراضا على عمل حفل واحد وفي القدس الغربية، كان الرد ‏الأمريكي بأن أمريكا تعتبر القدس مدينة واحدة وأن هذه المدينة لا تتبع لطرف من طرفي النزاع ‏وأنها مستمرة في هذه السياسة.‏
ولكن الإدارة الأمريكية قامت في نفس الوقت وبشكل تدريجي بنقل الجهاز الإداري الذي كان ‏بشارع نابلس الى القدس الغربية وخصصت مبنى القنصلية بالقدس الشرقية لقسم الفيزا والأحوال ‏الشخصية للرعايا الأمريكيين عربا ويهودا فكان المراجعون لهذا القسم خليط من الفلسطينيين ‏والإسرائيليين، بينما أصبحت القنصلية في القدس الغربية تقوم بكل المهام السياسية والاقتصادية ‏وغير ذلك. وظلت القنصلية في شارع أغرون مرتبطة مباشرة بوزارة الخارجية بواشنطن ‏ومستقلة تماما عن السفارة في تل أبيب التي أنيطت بها شؤون قطاع غزة إضافة لعملها في ‏إسرائيل. ‏
وقد تم بناء بناية جديدة في المنطقة بين صور باهر وجبل المكبر التي يسميها الإسرائيليون ‏تلبيوت ونقل القسم القنصلي من شارع نابلس اليها. وهي اليوم المقر الذي تعمل منه السفارة ‏الأمريكية بعد نقلها من تل أبيب الى القدس في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وتم الحاق ‏القنصلية بها.‏
ما دفعني الى كتابة هذا المقال هو أني من بين أولئك الذين عايشوا التغيير التدريجي الذي طرأ ‏على أداء القنصلية الأمريكية والدور التطبيعي الذي قامت به في جمع الإسرائيليين والفلسطينيين ‏في مكان واحد رسميين وغير رسميين. وأذكر قبل نقل السفارة للقدس ان احتفالات بعيد ‏الاستقلال الأمريكي كانت تُقام في حديقة القنصلية الأمريكية في شارع أغرون وكنت ترى ‏خليطا ً يضم رؤساء وزارة ووزراء فلسطينيين ورؤساء أجهزة أمنية فلسطينية جنبا ً الى جنب ‏مع وزراء وأعضاء كنيست إسرائيليين وضباط إسرائيليين من الجيش والادارة المدنية والأجهزة ‏الأمنية الإسرائيلية.‏
والمتابع لما يجري في العلاقة الأمريكية الفلسطينية يلاحظ أن الأمريكيين كانوا يسعون بشكل ‏منهجي لتطبيع العلاقة بين الرسميين الإسرائيليين والفلسطينيين دون حدوث أي تغيير أو انفراج ‏سياسي. وأنه كانت هناك خطة منهجية لطمس الحدود بين القدس الغربية والشرقية بكل المفاهيم ‏وعلى كل الأصعدة.‏
واليوم يدور الحديث عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية دون إدراك بأن المقصود ‏هو القنصلية التي بالقدس الغربية. ورغم تكرار الوعود والتصريحات الأمريكية بأنه ستتم إعادة ‏فتح القنصلية إلا أن العمل يجري لتحويل القنصلية التي في القدس الغربية الى وحدة للشؤون ‏الفلسطينية وهذا لا يعني شيئا ً ولا يرمز لأي شيء. وحتى لو تم إعادة فتح القنصلية في القدس ‏الغربية فإن هذا أيضا لا يعني شيئا ً إذا كنا نتحدث عن رموز نستطيع أن نقول بأنها ترمز ‏للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.‏
المطلوب حين الحديث عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية أن يكون الحديث عن ‏القنصلية التي في شارع نابلس والتي كانت معتمدة للقدس الشرقية قبل احتلال 1967. ‏
abuzayyadz@gmail.com‏ ‏
 

وكالة الصحافة الوطنية