نبأ - غزة - محمد إبراهيم
أثار المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، موجة من الجدل بإعلانه عن تعميم يلزم الزوج بدفع تعويض لزوجته إذا طلقها تعسفيًا بما لا يقل عن نفقة سنة واحدة ولا يزيد عن نفقة ثلاث سنوات.
وينص التعميم الذي أصدره رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الدكتور حسن علي الجوجو في مادته الأولى على أنه "إذا طلق الزوج زوجته تعسفا بغير سبب معقول وطلبت من القاضي التعويض حكم لها على مطلقها بتعويض لا يقل عن نفقة سنة ولا يزيد عن نفقة ثلاث سنوات، ويراعى في فرضها حال الزوج عسرأ ويسراً؛ فيدفع جملة واحدة إذا كان الزوج موسرا وأقساطا إذا كان الزوج معسرًا ولا يؤثر ذلك على حقوقها الأخرى".
وتفاعلا مع هذا التعميم، أصدرت اللجنة القانونية في المجلس التشريعي، قرارا يبطل العمل بالقرارات الأخيرة الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي.
وجاء في بيان اللجنة، أنها "تابعت مجموعة التعميمات الأخيرة الصادرة عن فضيلة رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، وبعد القراءة المتفحصة لمضمون هذه التعميمات فإننا نؤكد على أن بعضها استحدثت أحكاماً جديدة فيها مخالفات للقانون وتنطوي على تعدٍ على الصلاحية الدستورية والقانونية الحصرية للمجلس التشريعي الفلسطيني، وتخضع لاجراءات وقراءات مطولة من المحلس قبل إقرارها ونشرها,؛ لتكون متوافقة مع القوانين ومحققة لمصلحة المجتمع الفلسطيني الذي نسهر على خدمته".
وأضافت اللجنة: "إزاء ذلك فإننا في اللجنة القانونية ندعو المجلس الأعلى للقضاء الشرعي لتحمل مسؤولياته ووقف العمل بشكل عاجل بهذه التعميمات المخالفة ومراجعتها وتصويبها أو إلغاؤها باعتبارها تتضمن استحداثا لأحكام ومراكز قانونية جديدة ونتوجه إليهم بالالتزام بخصوصية وطبيعة التعميمات القضائية".
وأشارت إلى "أن المجلس التشريعي أصدر العديد من القوانين التي تخص القضاء الشرعي، ويعكف على دراسة قانوني الأحوال الشخصية الشرعي وأصول المحاكمات الشرعية بالتواصل والتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والجهات ذات الصلة، ونؤكد بأننا نرفض إصدار مثل هذه التعميمات المخالفة للقانون من أي جهة كانت".
وتعقيبا على ذلك، قال الباحث القانوني سفيان صيام، إن "الله عزوجل يقول في كتابه العزيز مخاطبًا رجال هذه الأمة أو من أراد منهم استبدال زوجه بقوله تعالى في سورة النساء الآية (20) "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا".. وهنا حدد الحق سبحانه وتعالى حق الزوجة التي يرغب زوجها في طلاقها ، بما فرض لها من مهر، وأمر المطلق بألا يأخذ منه شيئا بمعنى أن تأخذ مهرها بكل أٌقسامه كاملا مكملا، (معجل، مؤجل، وعفش بيت)".
وأوضح صيام، أن "الحكمة الشرعية في الدين الإسلامي قد اقتضت أن حل مشاكل الطلاق في الإسلام يعتمد في أساسه على مبلغ المهر سواء أ كان الأمر من ناحية الزوج وفق هذه الآية، أو من ناحية الزوجة وفق الحديث الذي رواه الإمام البخاري فيما يتعلق بزوجة ثابت بن قيس والذي جاء فيه "عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعْتِبُ عليه في خُلُقٍ ولا دِيْنٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة»." وهذا الطلب من زوجة ثابت بن قيس واضح أنه طلب تعسفي من طرفها، لأنه باعترافها ليس في ثابت عيب يستوجب طلب الطلاق، فهل حكم لها الرسول بغير رد المهر ؟ هل حكم لثابت بتعويض زيادة عن المهر؟".
وأضاف أن "المهر إذن هو محور حل قضايا الطلاق بين الأزواج وليس هناك ما يرشد أو يدل على الحكم بتعويض زائد عن المهر، فإن كان الطلاق برغبة الزوج يخسره لصالح الزوجة وإن كان الطلاق بطلب الزوجة ترده للزوج، ولو كان التعويض مفروضا لكان الرجل في مثل حالة ثابت بن قيس أولى بالتعويض".
وتابع: "نظرة بسيطة إلى أول الآية نجد أن الاستبدال ليس له سبب واضح غير إرادة الزوج، أي رغبته في الاستبدال ، بتطليق زوجته والزواج بأخرى . فوفق المنطق الإلهي ليس على من رغب بمفارقة زوجته بطلاقها إلا التسريح بإحسان، وصورته أن يعطيها جميع حقوقها وأن يحفظ ما كُشف له منها، وبديهي أن هذا الطلاق النابع من رغبة الزوج وإرادته المحضة قد يكون المقصود بما اصطلح عليه بالطلاق التعسفي وفق التعميم القضائي الصادر في قطاع غزة في 8-2-2022".
وأشار الباحث القانوني سفيان صيام إلى أنّ "هذا الطلاق النابع من رغبة الزوج وإرادته فقط، ولا يرتب عليه الله عزوجل من آثار إلا تسديد كامل حقوق الزوجة لها، بينما نرى نحن ف تعميمنا التنويري الحداثي أن على الرجل أن يدفع فوق هذه الحقوق تعويضا لا يقل عن نفقة سنة ولا يزيد عن نفقة 3 سنوات".