نبأ-نواف العامر-نابلس
أن تكون في منزلك أو قريباً من عيادة طبيبك وتملك الوصول للعلاج بيسر وسهولة، وتعالج نفسك بحقنة الأنسولين، أو نيل جرعة دواء يخفف عنك آثار المرض وعوارضه، فهو أمر طبيعي في ظروف طبيعية مماثلة، لكن أن تعاني المرض وقيد الاعتقال في السجون الإسرائيلية وتنتزع علاجك بصعوبة وتتمكن من تحدي مرض السكري، وتواصل دورة حياتك بأمان رغم أن السجن لا أمان فيه، فهو انتصارٌ من نوع آخر على المرض وقيود السجن لتنسج على منوال الصبر وشاح الإرادة الفولاذية التي تستعلي على القيد.
وحسب تجارب عشرات الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية فإنهم عانوا وتجرعوا الأمراض وحرمان العلاج والمساومة عليه، وفي نفس الوقت حرمان الزيارات ورؤية الأهل والحصول على محاكمات عادلة، وبين هذا وذاك قرروا مواصلة دورة الحياة في ظروف غاية في القسوة، وتمكن الكثيرون منهم من مواجهة الأمراض خاصة مرض السكري معتمدين على وعيهم وإرادتهم ورغبتهم التي لا حدود لها وهو ما سنراه خلال السطور التالية.
ويعتقد العديد من الأسرى بأن وسائل التحقيق والتعذيب ومنها الضغط النفسي والجسدي على المعتقلين الفلسطينيين تساهم بشكل فعال بظهور الأمراض وبضمنها مرض السكري.
ويؤكد أسيرٌ فضَّل عدم ذكر اسمه أنه عاش مع الآلاف من المعتقلين في سجون ومراكز اعتقالية عدة خلال عقدين من الزمن وأنه سمع وشاهد مرضى السكري يعانون بشكل يومي وعلى مدار الساعة بليل أو نهار في ظروف غاية في التعقيد من نقص الدواء وعوامل الضغط النفسي والجسدي وهو ما حدا بمعتقلين آخرين للتفكير بوسائل متواضعة لمجابهة المرض والتخفيف من المعاناة.
حسام خضر الأسير المحرر والقيادي بحركة فتح يؤكد هو الآخر أن مرض السكري هو أكثر الأمراض انتشاراً في صفوف المعتقلين بسجون الاحتلال الإسرائيلي حيث أن طبيعة ونوعية وكمية الأطعمة والأشربة التي يتلقاها المعتقل وفق الحسابات الخاصة بإدارات السجون ومراكز الاعتقال لا تفي بحاجة المعتقل وبالتالي تعرضه لمخاطر الإصابة بالمرض للأصحاء أو مضاعفات المرض للمرضى به.
ويضيف خضر: وتحت ضغط المطالبات بالعلاجات الخاصة بمرضى السكري اضطرت إدارات السجون للتعاطي لدرجة ما مع الحالات المرضية وتوفير الدواء من أقراص وحقن الأنسولين والفحوصات الدورية.
ويتابع خضر: هناك علاج مهم للمعتقلين المرضى المصابين بالسكري رغم قلته وتحديد كميته وهو تناول الخضار نظراً لدوره في تخفيف مضاعفات المرض وتأثيراته السريعة.
ممثل المعتقلين في الأسبق في سجني عسقلان والنقب الأسير المحرر سفيان جمجوم يقول" أن عدم اعتراف إدارة السجون بـ "الديتا" الخاصة للمرضى (وهي عبارة عن طعام خاص يشتمل على الخضار والالبان والفواكه) وعدم توفير الحصص الغذائية المطلوبة لإجمال المعتقلين تضاعف مرضى السكري.
ويرى جمجوم أن إدارة السجون تتعمد عرقلة وإعاقة حقن المرضى بحقن الأنسولين عبر المماطلة في حضور الممرض او الطبيب والتذرع بعدم توفر عناصر الأمن والشرطة لإخراج المريض للعيادة بينما يتم توظيف معاناة المريض للابتزاز.
ولا يغفل جمجوم أهمية العامل النفسي والتوترات اليومية يزيد معاناة المرضى ويؤكد أنهم كمعتقلين يبذلون جهوداً مضنية باعتبار على رأس سلم الأولويات اليومية للقيادة الاعتقالية.
" وزيادة على معاناة مريض السكري التي تعتبر عبئاً كبيراً على المعتقلين فإن هناك عبئاً آخر وفق جمجوم يقع على عاتقهم يتمثل بعدم صرف كميات الخضار المناسبة لهم متفقاً بذلك مع القيادي حسام خضر إضافة لعدم توفر كميات من الأكل النيء والمعروف بالمسلوق.
ويرى جمجوم أن واقع السجن يلقي بظلاله على المعتقلين حيث يؤثر العامل النفسي على مرضى السكري بشكل رئيس حيث يقوم المعتقلون بمواجهة واقع المرض بالمزيد من حلقات المرح والترفيه وجلسات الثقافة وإبعاد مريض السكري عن الفراغ والانزواء وإبداء اهتمام خاص به دون إشعاره بالعطف والشفقة حتى لا ترتد بشكل عكسي على المريض.
ويضيف جمجوم أن غالبية مرضى السكري من المعتقلين موقوفون ضمن ما يعرف بالاعتقال الإداري المعتمد على قانون الطوارئ منذ عهد الانتداب البريطاني لفلسطين وأنه وفق معرفته بواقع السجن والمعتقلين فإن غالبيتهم من الشخصيات المرموقة سياسياً واجتماعياً ما يعني إيلاؤهم المزيد من وسائل الاهتمام والترفيه وتخفيف طول فترات الاعتقال على نفسياتهم.
ولا تكفي الوجبة اليومية لمريض السكري المقدمة من ادارة السجن مع عدم الانتظام في تلقي العلاج اليومي بحيث تكون حصته اليومية رأس من البصل وحبتين من البطاطا ورأس من الفجل وشوربة خضار لا تخلو من الدهن والزيوت المضرة بحالته الصحية.
ويضرب جمجوم مثالاً على المساعدة التي يقدمها المعتقلين في السجون لرفاقهم مرضى السكري كمثال سابق في الحياة الاعتقالية مع الفتى مهند البرغوثي الذي رغم تلقيه حقن الانسولين فإنه لا يقوى على مقاطعة الحلويات والسكاكر وتسبب له الأزمات جراء حبه للشوكولاتة تحديداً حيث تتم معاملته من باب الشعور الأبوي والأخوي وتحمل المسؤولية نحوه وعدم تركه حراً في تناول ما يشتهيه ويلحق به الضرر المحتوم.
حسام حرب الأسير المحرر الذي دخل عقده السادس ورغم معاناته من أمراض الضغط يعتقد أن التقليل من الضجيج وتوفير اجواء الهدوء لمريض السكري وتعويضه بوسائل القراءة والمطالعة وتلاوة القرآن وأداء الأذكار الدينية بالبعد الروحي يهيئ لهم الراحة النفسية مشيراً إلى مقولة لأحد أطباء علاج امراض السكري في فرنسا نشرتها الصحف العبرية حيث يقول أن زهاء 30 الف مريض زاروا عيادته في العاصمة الفرنسية كان العلاج مجدياً مع غالبيتهم خاصة أولئك الذين يقومون بأداء العبادات ويزورون الكنيسة والمسجد بانتظام.
ويتابع حرب" حالة أن هناك أسري لازمهم المرض منذ العام 1995 كانوا يعالجون أنفسهم بالابتعاد عن القلق ولإثارة وشد الأعصاب.
ويرى حرب أن أهم علاج مقاوم لمرض السكري كما رآها بنفسه في السجون الاسرائيلية يتمثل بالحمية الغذائية إلا أنه يستدرك " أين هي المواد الغذائية المطلوبة تناولها كحمية غذائية فما يدخل فقط هو ما تقرره إدارة السجن يؤدي بإصابة المعتقل السليم بالأمراض، وكل الكميات محسوبة بالغرامات ما يضطر المعتقلين كافة بما فيهم مرضى السكري للاعتماد على الشراء من حسابه الخاص من (الكانتينا) التي تتحكم في موجوداتها ادارة السجن أيضاً.
عدنان حمارشة أسير محرر وهو أحد مصابي مرضى السكري يقول: أنه تمكن من التخلص من مرض السكري داخل السجن فيما يعرف بالسكري الانفعالي الناجم عن حالات مرضية وأسباب نفسية وجسدية معتمداً على الحمية الغذائية وممارسة الرياضة إضافة لتمتعه بإرادة صلبة وفق وصفه.
ويضيف حمارشة: تمكنت من تخفيض وزني من 105 كغم إلى 70 كغم بواقع 35 كغم خلال ثمانية شهور من الاعتقال الإداري في احدى الاعتقالات، وبالتالي يجب على المريض المعتقل أن يعلم أنه بالإرادة يمكن تحدي المرض وأنه عليهم أن يعلموا أنه لا أحد يمكن أن يساعدهم إن لم يساعدوا أنفسهم بالحمية والرياضة وإشغال النفس ونسيان المرض وضبط تناول الأطعمة التي تحتوي مواد حافظة وأملاح وسكريات عالية.
ويؤكد حمارشة أن إدارات السجون تتعمد استهداف المرضى حيث يكون نصيب مريض السكري شهريا من الخضار على حسابه الخاص ما يعني أن نصيب قسم اعتقالي كامل فيه 120 معتقل يساوي 360 كغم من الخضار شهرياً متسائلاً عن الوسيلة التي تمكن المريض من مواجهة المرض سوى الإرادة والتمسك ببرامج الرياضة والثقافة والحمية بينما تقوم إدارة السجن بتأخير إحضار الخضروات بذرائع أمنية وعقوبات وإضراب المعتقلين .....إلخ.