نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

تحدّت نظرات المجتمع وصنعت التغيير

أم كريم.. امرأة فلسطينية حوّلت إعاقة نجلها إلى نموذج ريادي  

نبأ – شوق منصور - نابلس

بقلبٍ حنونٍ ويدينِ دافئتين احتضنت طفلها بعزيمةٍ كَسرَت كل الشفقة التي رأتها في نظراتِ المحيطينَ وكل عباراتِ الإحباط التي وُجهت لها ولطفلها الذي قُدّرَ لهُ أن يُخلق بإعاقة ذهنية، لم تيأس بل قررت أن تشقَّ طريق علاج ابنها وأن تُكرسَ وقتها له حتى يتعافى.

فدائماً ما يُخلقُ التحدي والإبداع من وسطِ المعاناة، وكريم ذو الخمسة عشر ربيعاً كانَ خيرَ مثالٍ على هذا الابداع، فرغم إعاقته الذهنية التي حرمته في بداية طفولته من الاختلاط مع أقرانه، إلا أنه الآن وبعدَ أن تماثل للشفاءِ بجهدِ والدته وأهله يسعى لينطلقَ نحو حياته التي رسمها منذ طفولته.

تقول أم أحمد والدة الطفل كريم في حديث لـ"نبأ"، "عندما كان كريم عمره شهرين بدأت اللحظ أن لدى كريم مشكلة صحية، فقد كان يعاني من التعرق الشديد والإمساك، في الوقت نفسه كنت قد قرأت مسبقاً في إحدى الكتب أن الطفل الذي يعاني من هذه الأعراض في الأشهر الأولى يكون لديه نقص أكسجين.

وتضيف: ثم أخذت كريم إلى عدة دكاترة أطفال، ولكن كانوا يخبرونني أنه طبيعي ليس لديه مشكلة، ولكن قلب الأم دليلها، أنا لم أقتنع بذلك، حتى أخبرني الطبيب أنني إذا أريد أن ارتاح ويطمئن بالي أن أذهب به إلى طبيب أعصاب لم أكن أتخيل أن مشكلة كريم تحتاج إلى طبيب أعصاب، وبالفعل توجهنا إلى طبيب الأعصاب حيث كان عمر كريم 9 شهور، وبعد إجراء تحاليل وفحوصات أخبرنا الطبيب أن كريم لديه إعاقة ذهنيه نتيجة نقص الأكسجين عند الولادة.

وتتابع والدة كريم حديثها "عندما أخبرني الطبيب بمرض كريم لا أنكر أنني بالبداية أصابني اليأس والإحباط فقلت في نفسي أن كريم سوف سيبقى هكذا، وبعده عهدت نفسي أن أعمل كل ما يجب كي يتعافى كريم وحتى ولو لم يتعافى كاملة، ومن هنا بدأت المشوار مع كريم.

بداية المشوار

تقول والدة كريم عندما أصبح كريم بعمر السنتين كان لا يتحرك ولا يحبي لذا بدأت بالبداية بالمساجات والعلاج الطبيعي، كنت أحمله وأذهب به يومياً إلى المركز وهنا كانت من أصعب الأوقات التي مررت به بفترة العلاج نتيجة الحواجز التي كانت لا تسمح لي بدخول كريم بالعرباية وكنت أضطر إلى حمله، ولكن كل هذا التعب تحول إلى فرحة وسعادة عندما استطاع كريم بعمر 3 سنوات ونصف الوقوف على قدميه.

وتضيف أم أحمد: كانت هذه المرحلة من أعظم الانتصارات التي حققتها، ففي هذه الفترة كنت أعيش في مجتمع يهمش هذه الحالات وكنت اسمع دائما لماذا تؤخذينه، لن تستفيد شيء؟ ولكن هذه العبارات لم تحبط عزيمتي بل تجعلني أصر على إكمال علاج كريم.

دمج كريم

تستردف أم أحمد حديثها: عندما بدأ كريم بالمشي وأصبح عمره 4 سنوات قررت أنه من الضروري دمج كريم بالمجتمع كي يتهيأ لروضة، ومن هنا جاءت فقرة أن أضع كريم بالروضة ولكن بنفس الوقت أضع لع معلمة خاصة تعتني به اليوم يسمونها معلمة الظل ولكن في ذلك الوقت لم يمكن هذا المصطلح يعرفه الناس ولا أنا لكن ربنا كان يلهمني لبعض اللأمور، وبالفعل بدأ كريم بالروضة وبدأت معه معلمة الظل ولكن بعد فترة مديرة الروضة أخبرتني أنها لا تريد هذه المعلمة ولا كريم.

وتضيف "وضعته في فترة في مراكز الصم، ولكن لم أشعر بالراحة الكاملة فشعرت أنه يعكس سلبي على تصرفات كريم، لكن تمكن خلال هذه الفترة من تطور نطقه".

وتابعت: استمر علاج كريم بمراكز النطق والحركة حتى أصبح عمر 6 سنوات، وهو الآن بحاجة إلى أن يدخل إلى المدرسة، ولكن إذا وضعت كريم بالمدارس كأي طالب بعمره لا يستفيد شيء فبسبب إعاقته يكون تطوره العقلي اقل من جيله، لذا قررت أن أسس صف المصادر ببلدتنا، فصف المصادر يشتغل على هؤلاء الحالات الذين لديهم صعوبة بالتعلم، وبالفعل توجهت إلى التربية والتعليم وطرحت الفكرة عليهم ولاقت ترحيبا من قبل الوزارة، ولكن كان الشرط أنها ستكون على نفقتنا الخاصة، لذا بدأت بتجهيز المكان بالمعدات التي يحتاجونها.

وتكمل والدة كريم: في البداية واجهنا صعوبة أن الوزارة رفضت تعيين معلمة وطلبت منا على نفقتنا الخاصة، ولكن بعد ضغط من عدة جهات وتوجهت إلى الإعلام، فقد قرروا توظيف معلمة تخصص تربية طفل، وفي الوقت نفسه كان الأهالي يرفضون وضع أبناهم في صف المصادر باعتباره صفا للذين لديهم إعاقة ولكن بعدما شاهدوا تطور كريم.

وتضيف: كنت أطلب دائما من معلمته مشاركة كريم بجميع الأنشطة المدرسية من إذاعة وكشافة، وكنت أطلب تصويره ونشره على صفحة المدرسة كي تتغير الفكرة لدى الأهالي، وبالفعل أصبحت كل عائلة لديها طفل يعاني من صعوبة بالتعلم ويحتاج إلى متابعة تضعه بصف المصادر، لم يكن لكريم أصدقاء بالمدرسة بسبب وضعه لذا قررت أن أحبب الأطفال بكريم فكنت عندما اذهب لكي أخذ كريم من المدرسة أن أوزع الحسنات على الأطفال وأشجعهم دائما على اللعب مع كريم حتى باتا جميع الأطفال يحبونه.

هدايا كريم برمضان

وكريم أصبح في كل عام يحاول هو ووالدته أن يرسم الفرحة على وجوه الآخرين في شهر رمضان بتوزيع الهدايا وإن كانت رمزية إلا أنها غُلفت بحب كبير وأملٍ عظيم.

وتقول والدة كريم أنني أريد أن يتعلم ابني معنى العطاء لذا قمت بهذا المبادرة منذ ثلاث سنوات حيث نبدأ أنا وكريم قبل رمضان بتحضير هدايا للأطفال ويقوم كريم بتوزيعها، عدا عن شعور بالسعادة والفرح عندما يقدم هدية لطفل أو زميلاً له، فهذه المبادرة قوة شخصيته، وزاد تفاعله مع المحيط الذي حوله.

وتنهي أم أحمد حديثها بالقول "لولا التحديات التي خضناها أنا وكريم لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن، لقد تعلمت منه الصبر والإصرار ومنحني الفرصة لمساعدة الأطفال، وأن أكون صوتاً يعبر عنهم لتوعية المجتمع بقضيتهم.كريم.jpgكريم 2.jpg
 

وكالة الصحافة الوطنية