نبأ – رام الله – أسماء شلش
الحرية أمر فطري، فالإنسان يولد حراً وإن انتزعت منه حريته فإنه يحاول بشتى الوسائل استعادتها ومقاومة من يستعبد حريته ويقيدها، وفي ذكرى يوم الأسير، نستذكر تفاصيل أكبر عملية هروب شهدتها سجون الاحتلال قادها مجموعة من أسرى سجن شطة الصحراوي، يرويها الأسير إبراهيم شلش وهو ضمن الأسرى المخططين لعملية الهروب.
يقول إبراهيم إن الحكاية بدأت من سجن شطة الواقع في الأغوار في غرفة رقم 11 قسم مدينة بيسان حيث يقبع الأسرى الأمنيين، والذي ساعد على نمو فكرة الهروب التي كانت في عام 1998 هو كون السجن أرضيا وباستطاعة الأسرى رؤية جبال الجلبوع التي تشترك فيها بعض قرى جنين.
ويروي الأسير شلش تفاصيل ما قبل الشروع في تنفيذ عملية حفر نفق يمتد من غرفة السجن إلى سور السجن الداخلي، لافتا إلى مشاورات عديدة للمباحثة في كافة الأمور التي تخص العملية، موضحا أن هناك أسرى مراقبين لتحركات الجنود وموعد التفتیش، وآخرون سيقومون بالحفر، وھناك أسرى سيقومون بنقل الرمل المستخرج عند الحفر وتذويبه في مرحاض مھجور یقع خارج غرفة السجن اختیرلھذا الغرض.
وأضاف "بعد اجتماعات طویلة متتالیة وبسریة تامة، عزمنا على بدء حفر نفق في أرضية السجن، كنا نعلم بالطبع أن الأمر لیس سھلا وإننا قد ندفع أرواحنا ثمنا لذلك ولكننا أعلنا التحدي".
كانت أول خطوة من عملیة حفر نفق في داخل أرضية السجن ھو إزالة بلاطة من أرضية غرفة السجن دون كسرھا، وقع الاختبار على بلاطة في زاوية الغرفة، كانت الأدوات بسیطة وبدائیة جدا، فاستعملت شفرة مبراة أقلام في حف جوانب البلاطة، واستغرقت ھذه العملية أسبوعا كاملا.
وقال "أمامنا متران ونصف من الحفر في عمق الأرض، واستخدمنا ملعقة الطعام كأداة رئیسیة في عملیة الحفر ثم اتجهنا ناحية الجدار بتقدير المسافة من نافذة الغرفة الضيقة ورسم مخطط ذاتي لمعرفة الاتجاه الذي سنحفر فیه، وبعد حفر ما یقرب سبعة أمتار عرضا، أنشأنا جسرا من الخشب كي لا یتساقط التراب فوقنا بسبب وجود شارع تمر علیه الشاحنات یومیا"
وتابع إبراھیم شلش "صعوبات كثیرة واجهت الأسرى الذين یقومون بالحفر، فبعد حفر ما قرابة سبعة أمتار اقتحم القسم ما يقرب المائة جندي یرافقھم ضباط ورئیس جھاز المخابرات، وقاموا بفحص أنابيب الحمامات وتفتيش الأقسام، تقدم عبد الحكیم حنیني الممثل عن الأسرى لمعرفة ما یجري، وھو كان أحد المشرفین على عملیة حفر النفق، فأخبره الضابط بأنھم رأوا كمیات كبیرة من التراب خارج سور السجن وأن ھناك عملیة حفر، نفى عبد الحكیم ذلك الاتھام بقوة وأخبر الضابط بأن تربة شطا حمراء ولیست رملیة لذا فیصعب الحفر بھا.
ومرت التفتیشات بسلام دون علم أحد من الجنود أو الضباط بحقيقة النفق، وأدرك الأسرى أن علیھم الإسراع في الحفر قبل حدوث شيء لم یخطط له، وبعد سبعة وسبعین یوما من العمل الدؤوب المتواصل والذي كلف الأسرى جھدا جسدیا ونفسیا كبیرا، وقبل أن يحین موعد ساعة الصفر بیومین، أدخلت تعديلات على الخطة بإتاحة المجال للأسرى القابعین في الغرفة المجاورة إلى عبور النفق والھروب مع الأسرى، فتم خرق فتحة في الجدار الفاصل الذي یتواجد بین الغرفتین للسماح بالمرور عبر ھذا الفتح إلى غرفة فیھا النفق.
وأضاف إبراھیم شلش، "قد یبدو ضربا من الخیال أن نتحلى بمثل تلك الجراءة ونحن أسرى القید وبني صھیون، ولكننا أسرى الحریة كذلك، وحین وجدنا الفرصة مناسبة، خرجنا أنا وعباس وأخ ثالث من فتحة النفق إلى ھواء العالم الخارجي وبحركات خفیفة من المشي السریع، تخطینا بضعة أمتار خارج الجدار تحدونا أمنيات على وشك أن تكون واقعا".
خرج إبراھیم مع عباس وأسیر آخر من النفق ليستنشقوا الحریة، كانوا حفاة الأقدام إلا من واحد كان ینتعل حذاءه، أدى احتكاك الحذاء بالحصى إلى صدور صوت؛ لم یوقظ ھذا الصوت جندي الحراسة القابع أعلى البرج، لكنه أوقظ الكلاب البولیسیة التي بدأت بالنباح مشیرة إلى سور السجن الداخلي.
وتابع إبراھیم شلش "بینما نحن نغوص أكثر فأكثر في فرحة قرب التحرر، فوجئنا بكلاب بولیسیة لمحتنا عن بعد وشرعت تنبح وتتراكض تجاه الجدار وترغم الجندي المراقب على النظر إلى الجھة التي كنا نسیر فیھا، وبعدھا، أضواء ساطعة سلطت بالقرب منا فرمینا أنفسنا على حقل من العشب وإذا به جاف كالحجارة یصدر أصواتا، ولم نكن نرفع رؤوسنا حتى لمحناھم یتراكمون حولنا بلمح البصر".
انكشفت عملیة محاولة الھروب في لحظاتھا الأخیرة لیطفأ الأمل بالعودة وتعود الأمنيات بنیل الحریة بائسة، عندما علم الأسرى الآخرون بانكشاف العملیة، انسحبوا من النفق وعادوا إلى أبراشھم (البرش مصطلح یطلق على أسرة السجون)
وألقى جنود الاحتلال القبض على الأسرى الثلاثة في الخارج لیعودوا ویتجرعوا أقسى أنواع التعذيب والحرمان ثمناً لمحاولة استرداد حريتهم المشروعة.