نبأ- القدس المحتلة - شروق طلب
تميزهم بشرتهم السمراء وهم من أحب القدس ودافع عنها وهم خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى، هم الجالية الأفريقية، وإحدى خيوط الذهب في النسيج المقدسي المهيب، والذين هم جزء لا يتجزأ من المجتمع المقدسي حيث يعود وجودهم إلى زمن الفتوحات الإسلامية، في زمن الخليفة عمر بن الخطاب.
وقد كان لنبأ هذه المقابلة التي أجرتها مع المقدسي محمود جدة أحد أبناء الجالية الأفريقية، الذي بدأ حديثه " هناك في باب الناظر "باب المجلس" أحد أبواب الحرم القدسي الشريف، الذي يقع في الجدار الغربي للمسجد الأقصى، نحيا هناك في مساحة ضيقة ضمن رباط علاء الدين البصري والرباط المنصوري ".
هكذا أحبّ "جدة " أن يصف مكان إقامتهم في القدس المحتلة، مضيفاً : "وجودنا في فلسطين يرجع إلى زمن الفتوحات الإسلامية ،حين فتح الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس، كان برفقته أجدادنا، أما نحن الذين نسكن القدس وتسكننا فترجع جذورنا إلى دول المغرب العربي، نيجيريا، السودان، السنغال، وقد قدم أجدادنا في أواخر القرن التاسع عشر، وننحدر من ثماني قبائل: السلامات، البرنو، التكروري، الفيراوي، الحوس، البرجو، الكلمبو، والفلاتة.
ويعتقد جدة أن وجودهم يعود إلى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، أو بداية العقد الثالث مستنداً في ذلك على أساس تاريخ إنشاء المتحف الاسلامي، وهو أول متحف في فلسطين، في سنة 1921 - 22 19، ثم انتقل هذا المتحف في عام 1929 إلى داخل المسجد الأقصى بالقرب من باب المغاربة.
ويبلغ تعداد الجالية الأفريقية في القدس المحتلة، اليوم، حوالي ثلاثة مائة شخص، هم من أبناء الجيل الثاني والثالث بنسبة 52% إناث و48% ذكور. والجالية مجتمع فتي إذ تقل أعمار غالبيتهم عن العشرين عاما جميعهم ذو طابع ملتزم.
انخرط أبناء الجالية الأفريقية في النضال الوطني الفلسطيني، كمثل أبناء فلسطين، فقد كان سبب وجودهم بالأساس هو الدفاع عن الأقصى والمقدسات الإسلامية من بقايا الانتداب البريطاني والاحتلال " الإسرائيلي.
وتعتبر أول من نفذت عملية فدائية ضد الكيان "الإسرائيلي" بعد نكسة حزيران 1967، هي ابنة الجالية الأفريقية فاطمة محمد علي البرناوي وهي من أوائل المعتقلات. وقد أمضت في الأسر عشر سنوات، وأفرج عنها في إطار عملية تبادل، ومن ثم عادت مع السلطة الفلسطينية إلى أرض الوطن، وكان لها شرف قيادة الشرطة النسائية في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية وحصلت على رتبة لواء.
ومن الجدير بالذكر أن شقيقتها إيمان شاركتها العملية، إلا أنها استطاعت مغادرة الأراضي الفلسطينية إلى الأردن.
ساهم أبناء الجالية في مختلف أشكال النضال الوطني الفلسطيني وكان لهم أداور بارزة في ذلك، وأصابهم ما أصاب أبناء الشعب الفلسطيني من انتهاكات ( الاستشهاد والأسر والاعتقال الإداري والنفي والإبعاد وهدم المنازل والاقامات الجبرية).
ويضيف "جدة" :" يحضرني هنا منظر عمي محمد خالة قوس رحمه الله عندما سمع بدخول قوات الاحتلال للبلدة القديمة، استشاط غضبا وقام حاملاً سيفه وخرج يود منازلتهم، فالتم عليه شباب الجالية وأخذوا السيف من يده حيث احتاج ذلك منهم جهدا كبيرا، نظرا للعناد الذي تمتع به في تلك اللحظة وشدة غضبه. وكذلك عمي الشيخ جبريل لم يستطع البقاء في المدينة المقدسة، وهي تدنس من قبل قوات الاحتلال، فخرج سيرا على الأقدام إلى عمان، التي تبعد عن القدس أكثر من ثمانية كيلومترات، على الرغم من تجاوزه الثمانين عاماً.
وأكمل "جدة" معاتباً بشعور بعضهم في وقت سابق بشيء من التمييز في نظر فئة من المقدسيين، مؤكداً أنهم جزءٌ لا يتجزأ من المجتمع المقدسي، إلا أن هذه الأصوات لم تعد تسمع اليوم وأصبح الجميع يشكّل لوحة فنية تزدان بكل ألوانها .
تتميز الجالية بروابط اجتماعية قوية، ويتجلى ذلك في المشاركة الكاملة في الأفراح والأتراح ونوائب القدر، ومن عاداتها بعد أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى تنتقل الجالية لمكان يتجمعون فيه، لمناقشة أمورهم وأمور القدس والقضايا الاجتماعية والسياسية.