نفى عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة "فتح" الفلسطينية، اليوم الأربعاء، معرفتهم المسبقة بالقرارات التي أعلنها الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، الثلاثاء، في القمة العربية الطارئة في القاهرة. لكن عدم معرفتهم لم يشكل محرك غضب أو عتب على عباس، الذي تجاوز مشاركتهم في أي قرارات سياسية منذ وقت طويل، لذلك، اكتفوا بعدم التعليق على قراراته؛ لأن "المرحلة رمادية"، ولا أحد يريد أن يخرج بموقف سيكلفه غضب الرئيس ومن حوله لاحقاً.
ويرى محللون سياسيون أن قرارات عباس الذي سيبلغ عامه التسعين في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، فاجأت الهيئات القيادية العليا في منظمة التحرير وحركة "فتح"، وجاءت نتيجة ضغوط عربية ودولية كبيرة استمرت عدة سنوات، عبّرت عنها الدول العربية مؤخراً بعدم دعوة عباس لقمة الرياض التي ناقشت الوضع في غزة.
عباس يستشعر الخطر
ويقول مصدر مسؤول لـ"العربي الجديد": "استشعر (أبو مازن) بالخطر الشديد بعد إقصائه من قمة الرياض، التي شارك فيها، إلى جانب دول الخليج، الأردن ومصر". ويتابع: "لقد قيل له من أقرب حلفائه، أي ملك الأردن، إنهم لم يستطيعوا الدفاع عنه أكثر أمام مطالب الإصلاح التي تطلبها الإمارات والسعودية على الصعيد العربي، وغيرها على الصعيد الدولي".
وتفيد المعلومات بأن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، ذهب إلى الرياض في 27 فبراير/ شباط الماضي، ليطلع السعودية على قرارات الإصلاح التي سيقوم بها عباس، ومع ذلك، لم يحضر ملك السعودية ولا ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وكذلك فعلت الإمارات، حيث غاب محمد بن زايد آل نهيان.
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري لـ"العربي الجديد"، أن قرار الرئيس محمود عباس (أبو مازن) باستحداث منصب نائب رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين جاء تحت وقع ضغوط داخلية وإقليمية، حيث كان عباس أمام خيارين: إما تعيين نائب رئيس أو تفويض حكومة كاملة الصلاحيات بحيث يصبح منصبه فخرياً. ويشير المصري إلى أن عودة المفصولين من حركة فتح كانت واحدة من ثلاث طلبات داخلية من الحركة، مؤكداً أن هذه القرارات كانت مطلوبة قبل القمة العربية في القاهرة، لكن الرئيس عباس اختار الإعلان عنها خلال القمة، مما أفقدها جزءاً من أهميتها.
على عكس رغبة العرب
وبحسب المصري، فإن خطاب عباس في القمة العربية بدا وكأنه لا يريد أن يلبي مقترحات العرب، خاصة في ما يتعلق بتشكيل اللجنة الخاصة بقطاع غزة.
ويقول المصري: "فبينما قررت القمة العربية أن تكون هناك لجنة تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية ومستقلة، قرر عباس أن يكون رئيس اللجنة نائب رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى، مما يجعلها جزءاً من الحكومة بطريقة غير مباشرة".
ويعتقد المصري أن عباس ذهب إلى القمة العربية، وقال ما يريد، وليس ما يريده العرب، في إشارة إلى سياسة عباس التي تهدف إلى عدم إضعاف دوره كرئيس حتى النفس الأخير.
هكذا يمكن أن يختار عباس نائبه
ويوضح المصري أن الرئيس عباس قد يعين روحي فتوح نائباً له في المنظمة والدولة، وهو ما ينسجم مع المرسوم الرئاسي السابق الذي قضى بأن يحل فتوح محل الرئيس لمدة تسعين يوماً في حال شغور المنصب، تجرى خلالها انتخابات للرئيس، وإذا تعذر الأمر، تمدد المدة لمرة واحدة فقط.
ويشير المصري إلى أن هناك عدة متنافسين لإشغال المنصب، من بينهم محمود العالول وحسين الشيخ ومروان البرغوثي، وغيرهم.
أما الصيغة الثانية، وفقاً للمصري، فتتضمن تعيين نائبين، أحدهما لمنظمة التحرير والآخر للدولة الفلسطينية، ويمكن أن يكون أحدهما من قطاع غزة، مما يرضي أكثر من شخص من المتنافسين. ويؤكد المصري أن السؤال المطروح هو: ماذا لو اختار الرئيس محمود عباس مروان البرغوثي نائباً له، خاصة وأنه سبق وأن وعد زوجته فدوى البرغوثي بهذا الأمر؟
قرارات على الأرض ووعود في القمة
ما قاله عباس في قمة القاهرة يتناقض تماماً مع المراسيم التي أصدرها من رام الله قبل عشرة أيام على انعقاد القمة، ومع مئات المراسيم التي سبقتها في سنوات حكمه، التي يرى قانونيون أن الهدف منها استمرار مرحلة رخوة وضبابية ووجود أجسام وحكومات موازية داخل البلد دون رقابة أو شفافية.
ويرى الخبير القانوني عصام عابدين في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه من خلال مئات القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس في السنوات الماضية، وكان آخرها قرارات تخص الأٍسرى والمحررين، وديوان الرقابة، وتعيينات قادة الأجهزة الأمنية، فإن الرئيس قام بإعادة تشكيل نظام سياسي دون أي رقابة أو محاسبة.
ويقول عابدين: "قام الرئيس عباس بربط كل شيء في النظام السياسي بشخصه، من خلال تشكيل هيئات أو أجسام هي بالحقيقة حكومات موازية مربوطة بأشخاص مقربين منه، وتستخدم فيه منظمة التحرير لإكسابه شرعية كاذبة". ويوضح عابدين أن "هذا واضح من خلال مراسيم رئاسية لتشكيل هيئات اقتصادية مثل مؤسسة (تمكين)، ومن خلال السيطرة على الأجهزة الأمنية والتعيينات فيها، ليكون ديوان الرئاسة، والذي بدوره يشكل حكومة موازية، بنظام مالي مستقل، مثل العقل الذي يدير حكومات الظل الموازية التي يسيطر عليها الرئيس والمحيطون به".
ورغم أن عباس أعلن أمام القمة العربية الطارئة في القاهرة أمس، أنه يعمل على إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة وضخ دماء جديدة في المنظمة و"فتح" وأجهزة الدولة، إلا أن ذلك يتناقض مع سيل القرارات بقانون والمراسيم الرئاسية التي يصدرها في تعيينات تجعل السلطة أكثر تركيزاً بيده.
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، توالت المراسيم الرئاسية التي عيّن الرئيس بموجبها عناصر من جهاز حرس الرئاسة الخاص به على رأس مختلف الأجهزة الأمنية بمراسيم رئاسية، مثل الارتباط العسكري، وهيئة التنظيم والإدارة العسكرية، وهيئة الإمداد والتجهيز العسكرية، ومدير عام الشرطة، وقائد قوات الأمن الوطني، وقائد جهاز الدفاع المدني، وجميع من تم تعيينهم هم عناصر أمن في حرس الرئاسة، الجهاز الذي يتولى حماية الرئيس ويوليه الأخير ثقة كبيرة، ويضاف إلى ما سبق تعيينات سابقة أيضاً من حرس الرئاسة لجهاز الضابطة الجمركية وهيئة التدريب العسكري في أريحا.
وفي ظل هذا، تشير تقديرات من المقربين لعباس إلى أن الأجهزة المتبقية، مثل الوقائي والمخابرات والاستخبارات، تنتظر دورها أيضاً لتعيينات من عناصر حرس الرئاسة. وجميع القيادات الشابة التي تحدث عنها عباس، والدماء الجديدة سواء في التعيينات أو المستشارين الذين يقوم بتعيينهم، تتراوح أعمارهم بين 55 و75 عاماً.
ويرى عزمي الشعيبي مستشار الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "القرارات التي يقوم بها أبو مازن في الوظائف العليا، جزء كبير منها هو تعدٍّ على صلاحيات الحكومة، وتعزز السلطة المركزية للرئيس، وتبقيها بيده فقط، بشكل مخالف للقانون الأساسي ووثيقة إعلان الدولة". وتابع: "في المراسيم الرئاسية التي أًصدرها الرئيس قام بتحديد رواتب مستشاريه في مخالفة لقانون الخدمة المدنية والسلم الوظيفي، وقام بتحديد نظام إداري ومالي خاص بديوان الرئاسة، وفتح حسابات مالية خاصة للديوان خارج إطار حسابات المالية العامة لخزينة الدولة، رغم أن الديوان يجب أن يكون جزءا من مؤسسات الدولة لكن بالمراسيم الرئاسية أصبح خارجها، إضافة لاستثناءات كثيرة نصت عليها مراسيم الرئيس وقراراته أكدت بشكل مباشر حرفيا بالجمل التالية: (استثناء لما ورد في أي تشريع آخر) و(يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار بقانون)".
وتابع الشعيبي: "أنا أعتقد أن المبادرات ليس من الرئيس، بل هناك استغلال من قبل مراكز المتنفذين الذين يستغلون أن الرئيس يوقع لأشخاص محددين، فيقومون باستغلال هذه الفرصة للحصول على توقيع الرئيس لمصلحتهم الخاصة، دون دراسة الأثر المالي والإداري والإرباك الذي تحدثه هذه القرارات التي تصب في مصلحة أشخاص، وليس المصلحة العامة".
العفو عن الفتحاويين
أما بالنسبة لإعلان عباس في القمة إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك، فقد جاء بعد أيام من توعد الرئيس أمام المجلس الثوري بعقاب من شارك في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي عقد في الدوحة، حيث تم منع العشرات من عناصر الحركة من السفر، فيما تم استدعاء من تمكن من السفر والمشاركة للمثول أمام أجهزة الأمن واتهامهم بالخيانة.
على صعيد آخر، يبدو أن أكبر قياديين فتحاويين، ناصر القدوة الذي قام الرئيس بفصله من مركزية حركة "فتح" بسبب قيامه بعمل قائمة انتخابية عام 2021 رغماِ عن عباس، والقيادي الفتحاوي محمد دحلان الذي تم فصله وتحويله لمحكمة فلسطينية حكمت ضده بقضايا اختلاس وفساد، كلاهما لم يصدر عنهما تعقيب على إعلان عباس.
واستبعد المقربون من القدوة أن يعود للانضمام لاجتماعات اللجنة المركزية لحركة "فتح" في ظل وجود عباس.
ويقول قيادي فتحاوي من "تيار الإصلاح الديمقراطي بحركة فتح"، إن إعلان عباس جاء مفاجئاً ومبهماً في آنٍ واحد، حيث إن الرئيس تكلّم عن "إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح" فيما لم يُفصل من الحركة إلا القليل بشكل قانوني، وفق تعبيره.
وأضاف المصدر: "لا نريد التعليق على كلمة جاءت في سياق غير واضح بالقمّة العربية، ونحن بانتظار توضيحات حول القرار (...) إن كانت مرضية فنحن مستعدون لتوحيد حركة فتح". ولفت المصدر إلى أنه لا يوجد في لوائح حركة فتح الداخلية والقانونية شيء يندرج تحت بند "العفو العام"، عدا عن كون التعبير غير لائق بحقّ من وصفهم المصدر بالمناضلين التاريخيين في حركة فتح.
وقاد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو مركزية "فتح" حسين الشيخ، منذ الصيف الماضي، حواراً مع سمير مشهراوي، أبرز القيادات الفتحاوية القريبة من دحلان، من أجل المصالحة الداخلية. وبحسب ما وصل إلى "العربي الجديد" فإن الحوار كان على قاعدة العودة لحركة "فتح" فقط، ولا يتضمن ذلك العودة لأي وظائف تم إقصاؤهم منها أو امتيازات مالية حرموا منها أو مناصب تنظيمية كانوا فيها، الأمر الذي رفضه المفصولون المحسوبون على دحلان".
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن تيار دحلان قدم شرطاً واحداً لإتمام المصالحة الفتحاوية، وهو "الاحتكام إلى القانون الداخلي لحركة فتح، وذلك في ما يخص أي قرارات فصل أو إقصاء أو تعيين". أما بقية المفصولين من حركة "فتح" بناء على مواقفهم ضد سياسة عباس أو بسبب مشاركتهم في قوائم انتخابية خارج موافقة الحركة في الانتخابات التي ألغيت 2021، فلا يزال غير واضح لهم ماذا يعني هذا "العفو".