تشهد الأحداث الحدودية الاستثنائية بين الكيان وحزب الله في الأسابيع والأشهر الأخيرة، ارتفاعًا بارزًا في احتمالية الحرب على الحدود مع لبنان، يأتي ذلك في ظل الصراعات الداخلية في كيان العدو مع وضد خطة التعديلات القضائية
هذه المرة كما يقدرون في كيان العدو، لن تنحصر الحرب في جبهة واحدة فقط، بل ستكون متعددة الجبهات ومتداخلة، ومن غير المستبعد أن تنضم غزة أيضا إلى المعركة، وستكون “إسرائيل” مطالبة بالتصدي للهجمات والعمليات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى هبة في الداخل المحتل عام 194، وكذلك تهديدات أبعد، ستأتي من إيران أو من دول أخرى في المنطقة.
من أجل فهم السلوك “الإسرائيلي” تجاه “استفزازات” حزب الله، والتخوف من الحرب التالية، هناك حاجة للتعرف على السيناريو الذي يستعدون له في “إسرائيل” في الساحة المدنية، والذي تعرفه المنظومة الأمنية بالسيناريو الـ “خطير –المرجح للحرب.
غير الإصابات المحددة للبيوت وآلاف المصابين، فإن التخوف الاستراتيجي لدى المنظومة الأمنية هو الضرر الذي قد يلحق في تواصل أو استمرار أداء “الدولة” لمهامها، شبكة الكهرباء، الاتصالات، الانترنت، سلسلة توريد الأغذية والقدرة على توريد الخدمات لـ”المواطنين” في أعقاب التوقف عن عمل.
6 آلاف صاروخ في أول أيام الحرب القادمة
حسب السيناريو الـ “خطير – المرجح ” في يوم واحد من القتال ستضطر “إسرائيل” لمواجهة نيران من آلاف الصواريخ، وفي اليوم الأول من الحرب سيطلق على “إسرائيل” نحو 6 آلاف صاروخ، ولاحقا سيهبط العدد ويقل في أثناء أيام الحرب حتى 1500 – 2000 صاروخ في اليوم.
التقديرات في أوساط خبراء الأمن هو أنه في كل يوم ستكون نحو 1500 إصابة توصف كمؤثرة في “الأراضي الإسرائيلية”، وذلك بعد أن نخصم من الأرقام الفلكية الصواريخ الكمية غير الدقيقة التي ستسقط في المناطق المفتوحة، والاعتراضات الناجحة لـ “القبة الحديدية”، -والتي مع كل الاحترام لها ولمشغليها- فإن فرصها ضئيلة في أن تكون قادرة على تقديم معدلات اعتراض عالية مثل تلك التي اعتدنا عليها في جولات القتال الأخيرة في الجنوب.
ولغرض المقارنة فقط، في المعركة الأخيرة في قطاع غزة أطلق تجاه المدن والبلدات “الإسرائيلية” نحو 1470 صاروخا في كل خمسة أيام المعركة، وفي “حارس الأسوار” كلها (أيار 2021) أطلق نحو 4500 صاروخ في عشرة أيام المعركة. وفي “الجرف الصامد” كلها (صيف 2014) التي استمرت نحو 50 يوما، سجل 3850 صاروخا (متوسط نحو 90 في اليوم). وكما يمكن أن نرى، فإن الاعداد في المعركة في الشمال أعلى من ذلك بنسب كبيرة.
الساحة “الإسرائيلية” الداخلية..
في ضوء كم النيران المتوقعة، حسب آخر سيناريو لدى المنظومة الأمنية، في المعركة المشتركة التي سيقودها حزب الله سيُقتل نحو 500 مستوطن في الجبهة الداخلية (العدد لا يتضمن الجنود القتلى) وسيصاب آلاف آخرون، لكن رغم الأعداد المذهلة، فإن ما يُقلق حقا أكثر من أي شيء آخر، هو القدرة الصاروخية الدقيقة المتعاظمة من حولنا.
تشير جهات أمنية إلى أن أحد الدروس الهامة من الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا هو فاعلية المسيّرات الإيرانية.
في إطار السيناريو الـ “خطير – المرجح ” في المنظومة الأمنية لا يستبعدون إمكانية أن ينجح حزب الله، وإيران وأتباعهم بضرب منشآت استراتيجية معروفة وثابتة في “إسرائيل”، مثل محطات كهرباء، بشكل يجعل “إسرائيل” تعيش في الظلام لساعات طويلة، وربما حتى أيام، حسب السيناريو، ستعيش “إسرائيل” في الظلام الدامس بين 24 و72 ساعة.
التخوف الشديد هو من ضربة دقيقة لمحطات توليد الطاقة بشكل يضر جدا بالقدرة على إنتاج الكهرباء، وبدون كهرباء، ستتشوش أيضا جدا الاتصالات، شبكة الخلوي وحتى قدرة الإنذار من نيران الصواريخ، الرد على هذا التحدي، كما تقول المنظومة الأمنية ليس مكتملا بعد، والنية هي من بين أمور أخرى زيادة الحماية الفاعلة لتلك المواقع ونصب منظومة “قبة حديدية” ووسائل أخرى عندها، مع سياسة اعتراض متشددة.
تحدٍ لا يقل أهمية ستكون الساحة الداخلية ومن غير المستبعد أن تتصدى “إسرائيل” لعشرات أعمال “الإخلال بالنظام” في نفس الوقت. ولأجل إخلاء الطرق لحركة السير للقوات والتصدي لها في الجبهة الداخلية من أجل عدم عرقلة القتال في الجبهة، أنشأ “الجيش الإسرائيلي” 16 كتيبة في الاحتياط.
من ناحية المواصلات، في المنظومة الأمنية يشيرون إلى إمكانية ألا يكون هناك دخول إلى المطارات في “إسرائيل”، وأن يتوقف الطيران الأجنبي وستكون الطرق مغلقة، تخوف آخر هو من عدم امتثال العرب الفلسطينيين من الداخل لعملهم الحيوي كسائقي شاحنات، في مثل هذه الوضع ستنقطع سلسلة التوريد في “إسرائيل”، والتقدير هو أن الضرر سيكون دراماتيكيا. وحسب التقديرات فإن نحو 50 % من المستوطنين سيتغيبون عن عملهم، 60 – 70 % سيتغيبون في مرافق تُعرف كـ “حيوية” و “القطاع الحيوي” سيعاني من نحو 20 %من التغيب.
تحدٍ إضافي ستضطر “إسرائيل” لمواجهته هو عشرات آلاف المستوطنين ممن سيحاولون إيجاد ملجأ في مواقع تحت الأرض (أنفاق الكرمل مثلا) أو ينتقلون جنوبا لحماية أنفسهم من النار، كما لا تستبعد إمكانية اندلاع نيران الحرائق في آلاف الأماكن، وعشرات حوادث المواد الخطرة، وعدد من موجات من هجمات “السايبر”.
المسؤولية عن مواجهة التحديات العظيمة في الجبهة الداخلية تم تنظيمها منذ أكثر من سنة وهي تتوزع بين قيادة الجبهة الداخلية وبين “سلطة الطوارئ الوطنية”.
منع التدهور ..
“السيناريو الوطني” موضع الحديث الذي يعرض هنا هو سيناريو يتعلق بالساحة المدنية ومن المرجح أن هذا هو سبب عدم ذكر بما يكفي من التعمق خطة حزب الله “لاحتلال الجليل”، وعمليا التسلل إلى الأراضي المحتلة للخطف وللقتل ولاحتلال المناطق المجاورة للحدود.
على خلفية هذا السيناريو الكابوسي الذي يوصف بأنه السيناريو الأخطر الأكثر ترجيحا يمكن أن نفهم انعدام الرغبة الظاهرة علنا في الانجرار إلى الحرب، وسياسة الرد المعتدلة بل وربما المعتدلة جدا في ضوء استفزازات حزب الله على طول الحدود، كان هذا هو الحال بعد تسلل المسلح بالعبوة الناسفة من لبنان إلى مجيدو، وفي حال نزع الكاميرا من منطقة المطلة، و في ظل إقامة قرابة 30 موقعا لقوات رضوان على طول الحدود تحت غطاء مدنيين أبرياء، والأهم هو عدم القيام بعمل “إسرائيلي” ضد خيم حزب الله في الأراضي المحتلة.
يفهم نصر الله جيدا صورة الوضع وكذا حقيقة أن “الشرعية الإسرائيلية” تواجه تحديا كبيرا بسبب الشرخ والصدع الداخليين في “إسرائيل”، وبإذن إيراني يختار أن يرفع مستوى الرهان.
“إسرائيل” قوية جدا لكن لا شك أن صورة الوضع المفزعة تردعها، وفي القيادة يحاولون عمل كل شيء لأجل عدم التدهور إلى مواجهة وإن كان التقدير هو أن احتمال الحرب أو على الأقل بضعة أيام من القتال زاد بشكل كبير، غير أنه عمليا التردد “الإسرائيلي” والوضع الداخلي المعقد يدفعان نصرالله لأن يزيد أكثر فأكثر من الثقة بالنفس وتهيئة الوضع لأعمال أخرى من شأنها بسهولة أن تجر الطرفين إلى حرب.
معقول الافتراض بأنه إذا رغبت “إسرائيل” في المبادرة إلى خطوة ما كي تقلص التهديد على الجبهة “الإسرائيلية” الداخلية وأن تحسن شروط بدء الحرب التالية في صالحها، فإنها لن تتمكن من عمل ذلك في المناخ السياسي الحالي حين يشكك الكثيرون في دوافع الحكومة ورئيسها.
ولكن في ضوء الوضع الأمني المتحدي جدا لا يمكن لـ”إسرائيل” أن تسمح لنفسها بأن تواصل المناكفة الداخلية، وفي المنظومة الأمنية قلقون جدا من آثار استمرار الشرخ الداخلي على الوضع الأمني.
إسرائيل اليوم / ليلاخ شوفال