نابلس-نبأ-شوق منصور
"لم أشعر في أي يوم أن إعاقتي منعتني من تحقيق حلمي، أو كانت حاجزا أمام تحقيق ما أريد، بل كانت حافزاً ودافعاً لتحقيق أول أحلامي وهو الحصول على شهادة البكالوريوس". بهذه الكلمات بدأت الشابة عطاء المصري 22عاماً من ذوي الإعاقة البصرية، حديثها مع "نبأ"
فرغم إعاقتها البصرية إلى أنها تمكنت من التخرج حديثاً من جامعة النجاح الوطنية وانتزعت المرتبة الأولى على قسم علم الاجتماع.
تتابع المصري حديثها: "بعد أن أنهيت الثانوية العامة بمعدل 97% بدأت أفكر في اختيار التخصص الذي أبدأ من عنده رحلتي الجديدة، لقد كان حلمي منذ الصغر أن أصبح دكتورة عظام، ولكن بسبب وضعي اضطررت لقبول الواقع والانتساب لتخصص علم الاجتماع.
وتضيف: "اخترت هذا التخصص لأنه إنساني، وأنا أريد أن أقدّم الدعم النفسي والاجتماعي، لكل شخص يحتاجه، وخصوصا الأشخاص المهمشين ومنهم ذوي الإعاقة.
وتسرد في حديثها عن بداية الدراسة الجامعية التي كانت في بداية الأمر صعبة جداً، لكن الهمة في تحقيق الهدف كانت أقوى، ما دفعها للاجتهاد من أجل الحصول على ما تريد.
وحول أهم التحديات التي واجهتها خلال مسيرتها الجامعية تقول المصري: "واجهتني صعوبة توفير الكتب بتسجيلات صوتية، ولكن بعدها تواصلت مع الجمعية التطوعية الشبابية "مطر" والتي كان له دور كبير في مساعدتي بالجامعة، بالإضافة إلى صعوبة التعليم الإلكتروني والحاجة الدائمة لوجود شخص يساعدني، فالتعليم الوجاهي كان أسهل بالنسبة لي".
وتضيف المصري أن عائلتها كان لها دور كبير فيما وصلت إليه من تفوق، من خلال الدعم المعنوي والمادي، عبر توفير جوٍ دراسيٍ مناسب، بالإضافة لمتابعة الواجبات والاحتياجات، وتنظيم الوقت الدراسي.
وحول شغفها المستمر والمتواصل، تقول: "لم أصل بعد إلى ما أريد، فلدي أحلام أخرى أريد تحقيقها، وسوف أحققها، فإرادتي وعزيمتي أقوى من أي إعاقة"، وتطمح المصري في الحصول على وظيفة في تخصصها، كما وتعمل على إكمال الدراسات العليا والحصول على درجة الماجستير والدكتوراه، بالإضافة للانخراط في المجتمع، والتأثير فيه.
وفي هذا الصدد تقول المحاضرة بجامعة النجاح فاتن أبو زعرور والتي قامت بتدريس عطاء" كل طالب جديد في الجامعة يعايش اختلافاً في الظروف المكانية والبنائية والعلاقات، ويعتمد مدى تكيفه وانسجامه مع هذه الاختلافات على قدراته ومهاراته.
وتضيف أن الطالبة عطاء كانت تحمل الطاقة الإيجابية العظيمة، من أول يوم حضرت فيه إلى الجامعة، بالإضافة لاستعدادٍ عالٍ للتأقلم مع المتطلبات الجامعية الجديدة عليها، سواء من ناحية المبنى أو العلاقات الاجتماعية أو أسلوب التعلم والدراسة لكونها معاقة بصرياً.
وتتابع أبو زعرور حديثها: أبدت "عطاء" مهارات تكيف للاندماج مع كل ما هو مختلف، وساعدها في ذلك أن ببيئة الجامعة أصلا مؤهلة لخدمة الطلبة المعاقين في معظم الإعاقات الحركية والحسية، سواء من الناحية المكانية والأبنية، أو من ناحية الخدمات التي توفرها إدارة الجامعة من خلال وحدة رعاية ذوي الإعاقة.
وتكمل: لم تكن عطاء فقط طالبة متكيفة وناجحة، وإنما كانت أيضا طالبة متميزة مجتهدة تسعى نحو بذل كل طاقتها وقدراتها لنيل الأفضل، فتفوقت على بعض زملاءها وزميلاتها، وكونت صداقات وعلاقات زمالة بشكل سليم وآمن، ولم تتذرع يوماً بأي حجة جسدية أو مهاراتية في عدم القيام بأي مهمة تعلمية دراسية، بالإضافة لتأديتها الامتحانات بمساعدة المتطوعين للكتابة، والمشاركة في شروحات المواد التعليمية أمام مجموع الطلاب، لاسيما الالتزام بالحضور الوجاهي أو الالكتروني للمحاضرات.
وتستطرد أبو زعرور حديثها: عطاء نموذج في العطاء، والمثابرة والسعي نحو الإنجاز بكل ما أوتيت من قوة. وهذا نموذج يحتذى به ليس فقط من الأشخاص ذوي الاعاقة وإنما أيضا من كل شخص يرغب أن يتميز ويترك بصمة وأثر إيجابي. متوقعه لـ"عطاء" أن تكون أخصائية اجتماعية ناجحة ومهنية، لأن تفوقها لم يكن حفظ مادة وعلامة، وإنما كانت تدرك وبشكل واعٍ ما تدرسه وتتعلمه، وأثبتت ذلك من خلال التميز الذي سطرته في مساقات التدريب الميداني والتقييم العالي الذي حصلت عليه من المؤسسات التي تدربت فيها.
هذا النموذج المتميز هو رسالة لكل إنسان بأن يبذل كل إمكانياته وقدراته التي يمتلكها للتقدم والتطور والسعي الى الامام دائما"
وفي الإطار نفسه تقول الموظفة الإدارية في مركز الحاسوب للمعاقين بصريا روان الشعبي:” نحن في مركز الحاسوب للمعاقين بصريا تقوم على تلبية احتياجات المكفوفين داخل الجامعة، ونساعدهم على الاندماج في المجتمع المحيط.
وتضيف: رغم أنني سعيدة بتخرج عطاء إلى أننا كمركز خسرناها، فقد كانت نموذجاً للطالب النشيط المجتهد، ذات الشخصية القوية، والتي تحب دائما أن تعتمد على نفسها لا على الآخرين، فكثير مما يأتون إلى مركز حالتهم كعطاء يجبرهم وضعهم أن يكون اتكالين، ولكن عطاء كانت ترغب دائما أن تفعل كل شي لوحدة، دون طلب المساعدة من أي أحد.
وتتابع" كنا نتواصل مع جمعية شبابية تطوعية تقدم خدمات للمركز وتساعد الطالب المكفوفين بتحويل الكتب إلى تسجيلات صوت، عطاء لم تنتظر منا أن نتواصل معهم، بل تمكنت من المبادرة والوصول إليهم كي تستفيد من الخدمات التي يقدمونها".