نبأ-رام الله-رنيم علوي:
بالصورة العامة نرى إمرأة عربية تطالب بحقها في المشاركة السياسية والاقتصادية والثقافية، إلا في فلسطين المرأة تطالب بحقّها في الحياة، بحقها ألا تصبح أسيرة خلف قضبان الاحتلال الإسرائيلي، وبحقها في أن تبقى داخل أحضان عائلتها، وفي حقها ألا ينال منها الرصاص.
يأتي الثامن من آذار هذا العام والمرأة الفلسطينة تعيش في واقع أليم، واقعٍ حلّق بعيداً عن الحرية اللامحدودة، 29 إمرأة يعشن تحت عنف السجّان " الإسرائيلي"، لا يعرفن من الحياة إلى صبرها، ولا من التحمل إلا القوة، ولا من الساعة إلا الانتظار؛ انتظار ساعة الإفراج.
الناشطة سهير بدارنة وعضو نشطاء من أجل أسيرات الدامون، قالت : " إنّ الأسيرات في سجون الاحتلال لا يحتفلن بهذا اليوم على اعتبار أن كل يوم هو يوم واحد لا يرين ما يميز حياتهن داخل السجن".
وأشارت بدارنة؛ إلى أنه يجب السعي إلى تحرير الأسيرات من خلف القضبان ومحاولة تحسين ظروفهّن؛ وأضافت؛ أن هذا اليوم إن صنّف ف صنّف لهن؛ كونهن موجودات في قبضة الاحتلال داخل زنازين، وتمارس ضدهن كل أنواع العنف والتنكيل.
ولفتت، أن مجموعة نشطاء من أجل أسيرات الدامون لديهم معلومات كثيرة عن ما تعانيه الأسيرة في زنازين الاحتلال؛ ونوهت أنهن لا يختلفن عن أي أم فلسطينية تُحب عيش هذا اليوم بين أحضان العائلة والأبناء.
وتابعت، أن الـ ٨ من آذار هو فرصة لرؤية قصص الأسيرات والشهيدات الفلسطينيات اللواتي؛ ووصفت بدارنة هذا اليوم " بالحزين" على المرأة الفلسطينية سواء كنّ داخل الأسر او خارجه على اعتبار أن الفلسطيني يعيش تحت احتلال.
ووجهت ضيفة "نبأ" رسالة لكل فلسطيني أينما وجد؛ تدعو فيها إلى التوحد؛ لأنه يوجد أسرى وأسيرات يعانون اليوم من ظلم وتعنيف المحتل له.
وأكدت على ضرورة المطالبة بتحرير كافة الأسيرات الفلسطينيات اللواتي يعانين من المرض ويحرمن الزيارات.
وترى الناشطة بدارنة، أن الاحتلال يحاول قمع الأسيرات الفلسطينيات؛ وهذا ما يجب الإشارة إليه للوقوف إلى جانبهم.
وبصوتٍ تغمره الحنية باركت بدارنة للأسيرات في وتمنت أن يكون العام القادم عام التحرر من قبضة الاحتلال وسجونه.
ومن جهته، تحدثت وكالة "نبأ" سابقاً مع أسيرات فلسطينيات خرجن من سجون الاحتلال، كـَ ربى عاصي وترسيان جردات اللواتي عانين من ظلم الاحتلال.
رُبي عاصي، (23 عاماً) تسكن في أحضان بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله، عاشت طفولتها بين زنازين الاحتلال حيث اعتقل والدها إدارياً لسنوات، فكانت بين الأهالي الذي يسيرون لرؤية عائلاتهم من خلف قضبان السجن، واليوم يجري الحديث عن ربي التي اعتقلها الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم التاسع من حزيران عام 2020.
وحكم عليها بالسجن الفعلي لمدة 21 شهراً، إضافة إلى 14 شهراً سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة العضوية في جمعية محظورة، و5 أشهر سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة حضور اجتماع لجمعية محظورة، و12 شهراً سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة ضرب الحجارة، بالإضافة إلى غرامة مالية بقيمة 3000 شيكل.
الواحدة منتصف الليل ... رافقها مداهمة ثم اعتقال
وفي هذا التقرير وجهّت " وكالة نبأ" بوصلتها على صاحبة الشأن الأسيرة المحررة ربى عاصي وذلك للحديثِ عن اعتقالها كيف جرى، وانتقالاً إلى غرف السجن وحياة الأسيرات، ثم وصولاً إلى الحياة خارج السجن.
بدأت حديثها، بصوتِ استرجاع ذكريات الماضي، قالت إنه وفي منتصف الليل قرابة الساعة الواحدة اقتحم جيش الاحتلال الحي الذي تقطن فيه، وما أن لبثوا في الحي بدأت أقدامهم التي تدربوا على ضربها بقوة للأرض إشارة إلى فرض السيادة ونشر الخوف، تسير نحو باب منزل العاصي وانهالت الضربات القوية على باب المنزل، وما أن فُتح الباب تلقت عائلة العاصي دخولاً مفاجئا من مجندات الاحتلال وجنوده.
في عادة ليست فريدة من نوعها، طُلبت هويات الأسرة كاملة، لاسترجاع منظومتهم الأمنية ما إن كان هنالك خطبٌ لحامل الهوية أم لا، وبمجرد أن خرجت هوية والد ربى " فهمي" بدأت المرجعيات التاريخية لهذا الأب تظهر أمام نصب أعين جنود الاحتلال، فقد بدأوا بشتمه والصراخ عليه.
وعند الوقوف على هوية ربى، طُلب منها أن تشرع في تبديل ملابسها لكي تعرض للتحقيق، فما السبب؟ ولماذا؟ وأي تحقيق هذا؟ كل هذه الأسئلة ضُربت بصمتِ العائلة فور رؤية ابنتهم تُسحب بقوةٍ من قِبل مجندتين إلى خارج المنزل بعد أن دخلتا معها لتبديل ملابسها.
حالةُ الخوفِ التي تجبر الإنسان على السير في طريقٍ مليء بالأشواك المؤلمة تجعله يسير فاقداً للإدراك، فتقول ربى أنه وعند سحبها لن ترى أمامها حذاءً يعينها على ما ستجده في الطريق أمامها، إلا وأنه فقد لمحت عيناها بشكلٍ خاطف " صندلاً" مكشوفاً لا يحمي من أي ضربات أو عرقلات.
ربى تُسحب، وعيونها خُطفت على حذاءٍ مكشوف، ويداها تمردت على سحب المجندتين، أخذت الحذاء وارتده بشكلٍ سريع، وما إن لبثت حتى هوِيت لها سُترة من عائلتها لترتديها قبيل إحكام يديها بالأغلال الحديدية.
مع استمرار جنود الاحتلال بالصراخ على والدها بأنه " إرهابي" تم إخراجها من منزلها دون وداع عائلتها.
وبقهرٍ اجتاح كيانها، تردف ربى القول بأن جنود الاحتلال حاولوا أن يستفزوها قبل أن تركب سيارة الاحتلال، فبدأوا بإلقاء الكلمات الرديئة على عائلتها وهي مقيدة لا تملك قوة تتمرد على ما تسمعه.
ماذا تفعل بالسجن؟
لم ينتهي قهر ربى، فبعد ذلك أمسكت يديها الناعمتين بعصى سيارة الاحتلال لتصعد وتجلس فيها، ثم انطلقت ربى في الطريق إلى المعسكر وعلى جانبيها وخلفها وأمامها محتلين إلا من فوقها، فبدأت بإطلاق الدعوات من فوقها إلى أن وصلت إحدى المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال وبعد ذلك نُقلت إلى سجن الدامون.
الانتقال من العبارة إلى السجن مختلفاً تماماً، بمجرد الدخول إلى السجن تبدأ الأسيرة بالشعور في احتواء الأسيرات لها، ويبدأ جو التأقلم معهن، إذ تبدأ مشاريع القراءة، وربى بالتحديد عايشت الجو نظراً لِـوجود العديد من زميلاتها في جامعة بيرزيت بِقلب السجن.
استمرت ربى في الحديث واصفة ما كانت تفعله وهي في داخل السجن، إذ جدولت مع باقي الأسيرات ساعة للعب الرياضة، وحاولت من داخل جنبات السجن أن تخلق روح الاستقرار لديها، علماً بأنه رغم كل المحاولات إلا أن السجان لا يفرق بين ذكر وأنثى، وكان يتم التعامل معهن دون أن يراعي ظروفهن الخاصة، ولم تتاح لربى أو باقي الأسيرات أي فرص تواصل مع العائلة بفعل فيروس كورونا، وكنّ يحاولن سلب حقوقهن بأيدهن، وكثير من مطالب الأسرى والأسيرات حققت بدمائهم".
كثيراً من الظروف التي تقع على الأسيرات في سجون الاحتلال ولا يراعيها السجان، وجائحة كورونا ساهمت في أن يستغل الاحتلال الإسرائيلي قطع التواصل بشكلٍ كبير مع أهالي الأسيرات وحتى الأسرى أيضاً، وفي محاولة دائمة من تطبيق القوانين الجديدة القادمة من مصلحة السجون على الأسيرات.
وأشارت ربى أن كثيراً من القوانين تُضع في قائمةِ الرفض لدى الكثير من الأسرى والأسيرات، وبالتالي تحاول مصلحة السجون تطبيقها في البداية على الأسيرات مع رفض الأسيرات التطبيق، إلا أن مصلحة السجون لديها الكثير من الطرق لإجبار الأسيرات على تطبيقها.
وأضافت، "أنه وفي كثير من الأوقات دخلت الأسيرات فترة الإضراب عن الطعام لتحقيق مطالبهن، وبعض الأسيرات استمر إضرابهن أيام في محاولة لنزع حقوقهن كأسيرات ونجحن في ذلك".
الأسير يبحث عن الحرية
وفي استمرار الحديث مع ربى وصلت في حديثها إلى لحظة خروجها من خلف الزنازين بعد ما يقارب أكثر من سنة ونصف، إذ تغيرت نبرة صوتها والتي بدأت عليها السعادة والارتياح، وقالت بأن شعور الخروج من السجن لا يوصف، وأن الأسرى جميعاً من أول يوم اعتقال لهم يبدأوا بِعدِّ الأيام في انتظار هذه اللحظة " لحظة الخروج من السجن" لحظة العودة إلى الحياة والأهل إلى الغرفة الخاصة بهم، العودة إلى مقاعد الدراسة.
وأشارت الأسيرة المحررة ربى إلى الحرية بأنها أثمن شيء من الممكن أن يحصل عليها كل الأسرى والأسيرات، وكأن الحرية تخرج المكبوت من صلب المعاناة إلى الحياة التي تختلف موازينها بين سعادة وشقاء.
لم تكن أول ليلة لربى في منزلها بتلك السهولة، فبعد اعتقال أشهر كثيرة عادت إلى الغرفة التي تشعر فيها بالأمان، رغم ذلك فقد قضت ليلتها بين غفوة وصحوة وكوابيس وقلق، إلى أن مرت الأيام عليها وبدأت تعتاد على الحرية كعيشٍ طبيعي في أحضان الحياة.
وفي ذات السياق، دينا جردات أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عنها قبل عدة اشهر؛ بعد أن اعتقلت في يوم 7 آب/أغسطس الماضي، وهي طالبة إعلام في جامعة القدس المفتوحة.
فَـمن هي دينا، ولماذا اعتلقتها قوات الاحتلال، وكيف عايشت الإهمال الطبي داخل سجون الاحتلال؟ وصولاً إلى وصف شعور الحرية.
في حديثٍ جرى مع دينا عن أحلامها، قالت:" إن هدفها الأسمى هو أن تصبح إعلامية تستطيع أن تصل الرسالة من خلالها للعالم بالصوت والصورة وحتى الكلمات، ذاكرة أنها تتمنى أن يُقال اسمها بالفخر والخير؛ ولهذا السبب حاولت بقدرتها الجمّة أن تصبح إعلامية وفي ذات الوقت تترك الأثر الطيّب قبل اعتقالها".
دينا، في فجر الـ 7 من أغسطس نشرت عَبر حسابها عالفيسبوك أن قوات الاحتلال تُحاصر منزلهم، داعية التسليم والحماية؛ لم تكن تتصور أن نتيجة المحاصرة هي "اعتقالها"، واسترسلت تصف لحظة الاعتقال، قائلة: " لحظة اعتقالي؛ كانت بعد أن دخلت قوات الاحتلال للمنزل وبدأوا بالسؤال عن الأسماء؛ وعند دينا توقفت التساؤلات لمن في المنزل، وتوجهت النظرات لها؛ وبدأ التحقيق معها في زاوية المطبخ".
وأردفت جرادات:" بعد التحقيق، صادروا أجهزتها الإلكترونية كَـ اللابتوب والهاتف وحتى الساعة الإلكترونية".
لحظة الاعتقال
" ودعت ولدتها وغادرت باتجاه جيب عسكري يحتوي بداخله كلاب بوليسية" بعد هذا القول استطردت جردات " في هذا الوقت كنت قوية كثير"، وطيلة فترة التحقيق حاولوا اذيتها جسدياً ف حرموها من " فرشة البرش" والتي ساهمت في أن تتأذى بمنطقة الرأس؛ وهو ما أوصلها إلى أن تشعر بالتعب الجسدي باكراً.
نُقلت جردات لِـسجن "الدامون" في انتظار ساعة الحكم، وعندما حُكمت تمالكت قواها وقالت لوالدتها " الحمدلله احنا مش أحسن من اللي جوا" وعادت إلى السجن حيث منزلها بعد ذلك شاكرة حامدة لله.
إهمالٌ متعمّد
وعن الإهمال الطبي، قالت: " إن الإهمال من قِبل إدارة السجون هو متعمّد سواءً كان في فترة التحقيق أو حتى بعد الدخول إلى السجن؛ إذ تمثّل لدى دينا بأن حُرمت من الدواء مدة التحقيق؛ وبعد ذلك تغيير في نوع الدواء الذي ساهم في جعلها تعاني من أعراض جانبية ومن ضمنها أن تأذى ما يسمى بِـ "عصب البصر" والذي ينتج عنه أن لا يُرى شيء سوى بياض، بالإضافة إلى منع دواء مميع الدم عنها.
وأكدت جردات لِـوكالة "نبأ" أن الإهمال الطبي متواصل داخل السجن، من قبل إدارة مصلحة السجون؛ مشيرةً لوضع الأسيرات اللواتي يفتقرن لِـطبيبة نسائية؛ وحرمانهن من الفحص الدوري كل 6 أشهر؛ لسرطان الثدي، بحسب الصحة العالمية.
وتحدثت دينا عن نفسها، مؤكدة أنها قبل الاعتقال كانت تميل إلى الاعتدال صحياً ونفسياً، ذاكرة أنه خلال الاعتقال خسرت من وزنها ما يقارب الـ 20 كليو؛ وقد تم سحب سوائل من منطقة الدماغ ٣ مرات وهي مقيدة اليدين والقدمين خلال عملية السحب.
البوسطة
وتابعت: " عدا عن البوسطة التي بقيت فيها ما يقارب الـ 3 ساعاتٍ بعد الخروج من السجم، بالإضافة إلى أن تكيف درجة حرارة متدني جداً؛ وهذا بدوره ساهم بالتأثير عليها بعد أن خرجت من البوسطة".
ومن الجدير ذكره، أن البوسطة، عبارة عن سيارة مصفحة محكمة الإغلاق يتم فيها نقل الأسرى الفلسطينيين من وإلى المحاكم الإسرائيلية أو للتنقل بين السجون المختلفة أو النقل إلى المستشفيات خارج السجون، ولكنها تفتقر إلى مقومات السلامة المدنية.
ولا يوجد في البوسطة مكان للجلوس كما أنها لا تصلها أشعة الشمس أو الهواء إلا من خلال فتحات دائرية صغيرة، ويبقى الأسير مكبل اليدين والقدمين في وضعية واحدة لمدة تتراوح من 10 ساعات إلى عدة أيام.
وعند خروجها من السجن، سردت القول: " بعد خروجي من السجن كان من المفترض أن أخرج عند حاجز سالم؛ ولكن بعد رؤية الاحتلال لعائلتي عند الحاجز قاموا بإعادتي ووضعي أمام حاجز الجملة".
علماً أن حاجز سالم الإسرائيلي يقع في شمال الضفة الغربية بِمحافظة جنين، وسمي بسالم نسبة لقرية سالم الفلسطينية الواقعة على خط التماس داخل الأراضي التي احتلت عام 1948، أما حاجز الجملة يفع في محافظة جنين شمال الضفة الغربية، وهي من القرى التي وقعت في حرب 1967 تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وعند لقاء الاحبة تكمل دينا أنها بكت بكاء الفرح الحقيقي الذي حرمت منه داخل زانازين الاحتلال؛ إلا أن تلك الفرحة رافقتها ساعة واحدة؛ وذلك لأنها نقلت إلى المشفى.
ومن الجدير ذكره، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 29 أسيرة فلسطينية في سجن "الدامون"، ومُعاناتهن تتضاعف بسبب الإهمال الطبي والظروف القاسية التي يواجهونها.
و من بين الأسيرات، 13 أسيرة صدرت بحقهن أحكاما مُتفاوتة، و7 أسيرات جريحات، و15 أسيرة مريضة بأمراض مختلفة، و6 أسيرات أمهات، إضافة إلى معتقلة إدارية واحدة، وطفلتين قاصرتين، ومازالت 15 معتقلة موقوفة للمحاكمة في محاكم الاحتلال التي تفتقر لضمانات المحاكمة العادلة.