نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

لنتعلم أسس الحكم الرشيد من رئيسة وزراء نيوزيلندا!

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

سيدة اسمها جاسيندا أرديرن تتولى منصب رئاسة الوزراء في دولة نيوزيلندا البعيدة ذات النظام الملكي الدستوري، تقرر أنها ستتوقف عن إشغال هذا المنصب الأهم في دولتها، لأنها لم تعد لها طاقة للإستمرار في الحكم، فقد استنزفها الحكم بمسؤولياته، رغم أنها ما زالت شابة، وقد دخلت في عامها الثالث والأربعين من أيام. وأنها ستكرس وقتها لابنتها الوليدة، مع أنها قادت بلادها في خضم جائحة الكورونا في تجربة رائدة، وإمكانية نجاحها في الإنتخابات القادمة مضمون، إلا أنها قررت الإعتزال والزهد في الحكم بعد سلسلة من السياسات الناجحة، وبخاصة مع المسلمين في مذبحة المسجدين عام 2019.

تصرف يثير الإستغراب والإستهزاء في مجتمعاتنا الحاكمة، ويناقض ابسط أسس الحكم القائمة في مجتمعنا العربي والشرقي. وليت القيادات الحاكمة في العالم العربي يقتدون برئيسة وزراء نيوزيلندا، ولو جزئيا. فقيم الحكم السياسي في المجتمعات العربية، لا تعترف بسن ولا بقدرة صحية أو عقلية أو بدنية لتولي زمام الحكم، فشهوة السلطة والحكم قائمة ولا تفتر وغير قابلة للنقصان أو العجز إلا بالموت.

ولنا في تجارب العالم العربي أجمع من محيطه إلى خليجه ما يؤكد ذلك، أما ثقافة الديموقراطية وانتقال السلطة من يد لأخرى وتداولها فأمر نتجاهله وننكره ولا نعترف به، ونصر على أننا ظل الله على الأرض وباقون في القيادة ما دام ينبض فينا عرق أو يجري فينا دم فلا بديل لنا والرحم العربي أصيب بالعقم وننكر القول المأثور " لو دامت لغيرك ما آلت إليك ".

فهذا يطيب له أن يحكم على كرسي متحرك لسنوات عجاف ولا يترك سدة الحكم إلا بالموت، وكأنه يقول أن روزفلت الرئيس الأمريكي الذي قاد أمريكا في الحرب العالمية الثانية ليس أفضل منه. وهذا زعيم مصاب بمرض خبيث، ولكنه مصر على التمسك بالكرسي، ويرفض التخلي عن الكرسي مؤملا الإستشفاء لذا هو يسعى سائحا في المراكز الطبية العالمية طلبا له. وآخر بلغ من الزمن عتيا وأعيته قواه البدنية، ولكنه مصر على البقاء على الكرسي، وإصدار القرارات ولو على حساب مصلحة شعبه.

 وجنرال يأتي على ظهر دبابة، ليستولي على السلطة الحاكمة،ويقيم حكما عسكريا معتقدا أنه أذكى من غيره أو أن لديه خططا لإنقاذ البلد، ولكن ضابطا آخرا يسبقه ويطيح به وقد يعدمه ويتولى السلطة الحاكمة بدلا منه. وشخص رأس مالي يبذل المال رخيصا ليفسد الناخبين ويشتري أصواتهم، ليتولى هذه السلطة المُفسدة التي لن تلبث أن تلفظه. ومسؤول آخر يحرص على إبقاء عصاه معه يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه.


سلسلة الحكم والحكام في العالم العربي تتجاهل مقومات إسناد السلطة بشكل شرعي ومشروع التي تعج بها كتب القانون والسياسة، بل فصلتها بشكل ممل، وتلجأ لكل الوسائل المشوهة لإسناد السلطة بشكل شرعي. فهي تتجاهل الوسيلة الديموقراطية المتمثلة في الإنتخاب والإقتراع العام بحجج وذرائع بالية وسخيفة، وتلتصق بوسيلة القوة العسكرية والإنقلابات، أوهي تتمسك أحيانا بالوراثة وبالدم الأزرق، وقد تعطي الأولوية لمزاعم دينية وأن الحاكم هو ظل الله على الأرض وممثله الشرعي وتلغي الإنتخاب، أو تلجأ للمال الفاسد لتفسد وتزور به إرادة الشعب. وحتى لو اعتمدت هذه السلط الإنتخابات الحرة كوسيلة لإسناد السلطة الحاكمة، فهي تبادر لتشويهها عبر تقسيم الدوائر الإنتخابية أو عبر السن الإنتخابي.


غريب أمر السلط الحاكمة في العالم العربي، فهي تسن قوانينا للتقاعد عند سن معينة، للموظفين الرفيعي الرتبة ولمنخفضي الرتبة بدون استثناء، لكن هذه القوانين لا تطبق على القيادات العربية ولا على الوزراء العرب، فتستثني أنفسها من قوانين سنتها هي بذاتها كنوع من التمييز العنصري. وهي تقيم وزنا للجرائم السياسية فتعاقب عليها وتحظر صاحبها من دخول معترك الإنتخاب، مع أنها حقيقة هي مجرد اختلاف في الرأي ليس إلا.


يبدو أن النظام الإنتخابي الإسرائيلي العنصري الإستعماري ينجرف نحو هذا التيار السلطوي تحت مسميات براقة كاذبة بناء على أسباب ذاتية شخصية، أوتحت تأثيرات توراتية دينية أو يمينية عنصرية قومية. فالديموقراطية والإحتلال العسكري أمران مناقضان تماما ولا يستويان لا كليا ولا جزئيا مع قواعد الديموقراطية وسيادة القانون وحرية الإنتخاب وحق الإقتراع العام.


الحوكمة الرشيدة عبر الإنتخاب وسيادة القانون وفصل السلطات واحترام الحقوق والحريات الفردية كحقوق الإنسان ووجود محكمة عليا، هي وسائل لضمان الحوكمة الرشيدة. أما الإنتخابات فهي آلية لاختيار الشعب ممثله بدل القرعة أو الإختيار الذاتي أي التعيين لفترة زمنية معينة، فليس هناك من شخص منتخب ابد الدهر بل لفترة محددة كما يكرر البعض، حتى أن الإنتخاب قد يكون لمنطقة محددة يقررها قانون الإنتخابات. فضلا عن أنها مهمة تكليف وليس تشريف تنتهي بانتهاء ولا يتها الزمانية والموضوعية والمكانية كما فهمتها وطبقتها رئيسة وزراء نيوزيلندا المستقيلة.


ليت السلط الحاكمة في عالمنا العربي تقتدي باسلوب هذه السيدة القابعة في أقاصي الأرض، التي ارتضت وقررت الخروج من سدة الحكم من تلقاء نفسها ودونما ضغط من أحد سوى ذاتها وضميرها لأنها لا تقوى على هذا الأمر بعد الآن، رغم عمرها الفتي. ليت السلط العربية تقتدي بهذه الأنثى وتفهم أن تولي السلطة هو لفترة محدودة ، وليس لفترة غير محدودة، وتفسح المجال للغير حتى يتولوها. وكا قال حكيم " الدنيا مدرسة، مديرها الزمن، وأستاذها القدر، وتلاميذها نحن البشر، نتقابل غرباء ونعيش أصدقاء، وإن حان موعد الفراق فلا تقل وداعا بل إلى اللقاء " والصادق من يصدق مع نفسه!!!

وكالة الصحافة الوطنية