نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

ربى عاصي.. من الزنازين إلى الحرية الحتمية

فتاةٌ في مقتبلِ العشرين، غيّرت النظرة السائدة عن أن جيل الألفين تغويه الحياة لا الوطن، سُحبت من مَنزلها، مُنعت مِن وداع عائلتها، حُكم عليها 21 شهراً، كُبّلت يديها، وتعرضت لتنمرٍ مِن قِبل سجانها يليه مقولة: "الكلبشات كبار على ايديكِ وكثير وساع، أنتِ صغيرة" ، ووضعت في زنزانة لا شمس فيها ولا ماء.

ربى عاصي

رُبي عاصي، (23 عاماً) تسكن في أحضان بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله، طالبة علم اجتماع في سنتها الرابعة – جامعة بيرزيت، عاشت طفولتها بين زنازين الاحتلال حيث اعتقل والدها إدارياً لسنوات، فكانت بين الأهالي الذي يسيرون لرؤية عائلاتهم من خلف قضبان السجن، واليوم يجري الحديث عن ربي التي اعتقلها الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم التاسع من حزيران عام 2020.

وحكم عليها بالسجن الفعلي لمدة 21 شهراً، إضافة إلى 14 شهراً سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة العضوية في جمعية محظورة، و5 أشهر سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة حضور اجتماع لجمعية محظورة، و12 شهراً سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة ضرب الحجارة، بالإضافة إلى غرامة مالية بقيمة 3000 شيكل.

الواحدة منتصف الليل ... رافقها مداهمة ثم اعتقال

وفي هذا التقرير وجهّت " وكالة نبأ" بوصلتها على صاحبة الشأن الأسيرة المحررة ربى عاصي وذلك للحديثِ عن اعتقالها كيف جرى، وانتقالاً إلى غرف السجن وحياة الأسيرات، ثم وصولاً إلى الحياة خارج السجن.

بدأت حديثها، بصوتِ استرجاع ذكريات الماضي،  قالت إنه وفي منتصف الليل قرابة الساعة الواحدة اقتحم جيش الاحتلال الحي الذي تقطن فيه، وما أن لبثوا في الحي بدأت أقدامهم التي تدربوا على ضربها بقوة للأرض إشارة إلى فرض السيادة ونشر الخوف، تسير نحو باب منزل العاصي وانهالت الضربات القوية على باب المنزل، وما أن فُتح الباب تلقت عائلة العاصي دخولاً مفاجئا من مجندات الاحتلال وجنوده.

في عادة ليست فريدة من نوعها، طُلبت هويات الأسرة كاملة، لاسترجاع منظومتهم الأمنية ما إن كان هنالك خطبٌ لحامل الهوية أم لا، وبمجرد أن خرجت هوية والد ربى " فهمي" بدأت المرجعيات التاريخية لهذا الأب تظهر أمام نصب أعين جنود الاحتلال، فقد بدأوا بشتمه والصراخ عليه.

وعند الوقوف على هوية ربى، طُلب منها أن تشرع في تبديل ملابسها لكي تعرض للتحقيق، فما السبب؟ ولماذا؟ وأي تحقيق هذا؟ كل هذه الأسئلة ضُربت بصمتِ العائلة فور رؤية ابنتهم تُسحب بقوةٍ من قِبل مجندتين إلى خارج المنزل بعد أن دخلتا معها لتبديل ملابسها.

حالةُ الخوفِ التي تجبر الإنسان على السير في طريقٍ مليء بالأشواك المؤلمة تجعله يسير فاقداً للإدراك، فتقول ربى أنه وعند سحبها لن ترى أمامها حذاءً يعينها على ما ستجده في الطريق أمامها، إلا وأنه فقد لمحت عيناها بشكلٍ خاطف " صندلاً" مكشوفاً لا يحمي من أي ضربات أو عرقلات.

ربى تُسحب، وعيونها خُطفت على حذاءٍ مكشوف، ويداها تمردت على سحب المجندتين، أخذت الحذاء وارتده بشكلٍ سريع، وما إن لبثت حتى هوِيت لها سُترة من عائلتها لترتديها قبيل إحكام يديها بالأغلال الحديدية.

مع استمرار جنود الاحتلال بالصراخ على والدها بأنه " إرهابي" تم إخراجها من منزلها دون وداع عائلتها.

وبقهرٍ اجتاح كيانها، تردف ربى القول بأن جنود الاحتلال حاولوا أن يستفزوها قبل أن تركب سيارة الاحتلال، فبدأوا بإلقاء الكلمات الرديئة على عائلتها وهي مقيدة لا تملك قوة تتمرد على ما تسمعه.

ماذا تفعل بالسجن؟

لم ينتهي قهر ربى، فبعد ذلك أمسكت يديها الناعمتين بعصى سيارة الاحتلال لتصعد وتجلس فيها، ثم انطلقت ربى في الطريق إلى المعسكر وعلى جانبيها وخلفها وأمامها محتلين إلا من فوقها، فبدأت بإطلاق الدعوات من فوقها إلى أن وصلت إحدى المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال وبعد ذلك نُقلت إلى سجن الدامون.

الانتقال من العبارة إلى السجن مختلفاً تماماً، بمجرد الدخول إلى السجن تبدأ الأسيرة بالشعور في احتواء الأسيرات لها، ويبدأ جو التأقلم معهن، إذ تبدأ مشاريع القراءة، وربى بالتحديد عايشت الجو نظراً لِـوجود العديد من زميلاتها في جامعة بيرزيت بِقلب السجن.

استمرت ربى في الحديث واصفة ما كانت تفعله وهي في داخل السجن، إذ جدولت مع باقي الأسيرات ساعة للعب الرياضة، وحاولت من داخل جنبات السجن أن تخلق روح الاستقرار لديها، علماً بأنه رغم كل المحاولات إلا أن السجان لا يفرق بين ذكر وأنثى، وكان يتم التعامل معهن دون أن يراعي ظروفهن الخاصة، ولم تتاح لربى أو باقي الأسيرات أي فرص تواصل مع العائلة بفعل فيروس كورونا، وكنّ يحاولن سلب حقوقهن بأيدهن، وكثير من مطالب الأسرى والأسيرات حققت بدمائهم".

كثيراً من الظروف التي تقع على الأسيرات في سجون الاحتلال ولا يراعيها السجان، وجائحة كورونا ساهمت في أن يستغل الاحتلال الإسرائيلي قطع التواصل بشكلٍ كبير مع أهالي الأسيرات وحتى الأسرى أيضاً، وفي محاولة دائمة من تطبيق القوانين الجديدة القادمة من مصلحة السجون على الأسيرات.

وأشارت ربى أن كثيراً من القوانين تُضع في قائمةِ الرفض لدى الكثير من الأسرى والأسيرات، وبالتالي تحاول مصلحة السجون تطبيقها في البداية على الأسيرات مع رفض الأسيرات التطبيق، إلا أن مصلحة السجون لديها الكثير من الطرق لإجبار الأسيرات على تطبيقها.

وأضافت، "أنه وفي كثير من الأوقات دخلت الأسيرات فترة الإضراب عن الطعام لتحقيق مطالبهن، وبعض الأسيرات استمر إضرابهن أيام في محاولة لنزع حقوقهن كأسيرات ونجحن في ذلك".

الأسير يبحث عن الحرية

وفي استمرار الحديث مع ربى وصلت في حديثها إلى لحظة خروجها من خلف الزنازين بعد ما يقارب أكثر من سنة ونصف، إذ تغيرت نبرة صوتها والتي بدأت عليها السعادة والارتياح، وقالت بأن شعور الخروج من السجن لا يوصف، وأن الأسرى جميعاً من أول يوم اعتقال لهم يبدأوا بِعدِّ الأيام في انتظار هذه اللحظة " لحظة الخروج من السجن" لحظة العودة إلى الحياة والأهل إلى الغرفة الخاصة بهم، العودة إلى مقاعد الدراسة.

وأشارت الأسيرة المحررة ربى إلى الحرية بأنها أثمن شيء من الممكن أن يحصل عليها كل الأسرى والأسيرات، وكأن الحرية تخرج المكبوت من صلب المعاناة إلى الحياة التي تختلف موازينها بين سعادة وشقاء.

لم تكن أول ليلة لربى في منزلها بتلك السهولة، فبعد اعتقال أشهر كثيرة عادت إلى الغرفة التي تشعر فيها بالأمان، رغم ذلك فقد قضت ليلتها بين غفوة وصحوة وكوابيس وقلق، إلى أن مرت الأيام عليها وبدأت تعتاد على الحرية كعيشٍ طبيعي في أحضان الحياة.

أسيرات سجن الدامون

ومن الجدير بالذكر، أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتقال 32 أسيرة فلسطينية في سجن "الدامون"، بينهن الطفلة نفوذ حمّاد (15 عاما) من القدس، وأقدمهن الأسيرة ميسون موسى من بيت لحم والمحكومة بالسّجن لمدة 15 عامًا، وهي معتقلة منذ يونيو/حزيران 2015.

ومن بين الأسيرات 17 أسيرة صدر بحقّهن أحكام لفترات متفاوتة، أعلاها 16 عاما بحقّ الأسيرتين شروق دويات من القدس وشاتيلا أبو عياد من الأراضي المحتلة عام 1948، وأسيرة واحدة تواجه الاعتقال الإداري وهي الأسيرة شروق البدن، ومن بينهن كذلك 11 أمّاً، وهن: إسراء جعابيص، وأماني الحشيم، وفدوى حمادة، وإيمان الأعور، وختام السعافين، وشذى عودة، وشروق البدن، وفاطمة عليان، وسعدية فرج الله، وعطاف جرادات، وياسمين شعبان.

وكالة الصحافة الوطنية