نبأ-شوق منصور-نابلس:
حينَ يواجَه الحجرُ المجرد بالرصاص الحيِّ، وحينَ يُردُّ على الهتاف بوابلٍ من القنابل، وحينَ تَكونُ الشهادةُ أقربَ من أي شيءٍ حتى من ارتداد البصر بعدَ رمشةَ العين، نكونُ بذلك نصفُ الأرض المقدسة وما يحل بها من ظلم وطغيان.
عيسى برهم شابٌ يحمل من العلم والمحبة والمكانة ما لا يحمله غيره، لم يتقبل فكرة احتلال بقعةٍ من بلدته وسلب أرضها من أهلها فخرجَ مدافعاً بصوته وحجره ليتلقى رصاص غدرٍ من محتلٍ لم يرحم حتى أطفاله الذين ينتظرون عودته كي يكملوا اللعبة التي اعتدوها مع والدهم.
رصاصتان كانتا كفيلتين للفظ أنفاس برهم الأخيرة، ختمَ أنفاسه بنداء بناته اللواتي هُنَّ قلبه وما يملك، وها هي بيتا الآن تبكي بمن فيها على فراق شابٍّ كعيسى وتفخر أرضها باحتضانها لنعشه الذي استشهد دفاعا عنها.
يقول شقيق الشهيد سلطان برهم" في ثاني أيام عيد الفطر السعيد لقد كنا في بيته مجتمعين، كان قد خواته واخوانه على مائدة الطعام، وكان هناك مواجهات واشتباكات عنيفة بين الشبان وجنود الاحتلال على جبل صبيح في بلدة بيتا، وجنود الاحتلال أغلقت مداخل البلدة بالسواتر الترابية، ولم تتمكن طواقم الإسعاف من الوصول إلى الجبل لنقل الجرحى، فبدأ الشبان المتظاهرين على الجبل يستغيثون عبر سماعات الجوامع بأبناء القرية وطلبوا من أي شخص لديه سيارة المجيء إلى الجبل لنقل الجرحى.
يضيف برهم: فعندما شقيقي الاستغاثة فاخذ سيارته، وذهب إلى موقع المواجهات، وصعد الجبل وبدأ ينقل الجرحى، أطلق جنود الاحتلال رصاصة عليه فأصابه في بطنه، ما أدى لحدوث نزيف، دقائق معدودة فارق اخي عيسى الحياة ليرتقي شهيداً.
ويتابع سلطان حديثه: ألم الفراق صعب جداً لا يمكن وصفه، ولكن شعرنا بقيمة منزلة الشهيد بحجم الناس الذين وقفوا معنا وازرونا، وقيمة الاتصالات التي تلقينها، ورغم أن الظروف كانت سيئة واغلب مدن ومداخل القرى مغلقة من قبل جنود الاحتلال إلى أن مشاهد تشيع الجثمان وعدد الحضور كان خير مثال على منزلة الشهيد عند الله عز وجل، فغياب كان أقوى من الحضور حدث لأخي عيسى.
ويضيف" عيسى حملنا وسام الشهادة، وهو أيضاً أدى رسالته في الدنيا وفي الاخرة، فهو ترك مقعد دائم بقلوبنا وقلوب كل من يعرفهم، فهو حائز الدين والعلم والخلق.
وبحسب شهود عيان فإن الوصية الأخيرة للشهيد عيسى برهم "لا تلحقوني... ارجعوا للجبل... بناتي" ثم استشهد في طريقه للمستشفى.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي منشور كان قد نشره الشهيد برهم قبل وفاته على صفحته على فيسبوك" أخبرهم يا حكيم أن الكراسي ليست للتباهي ولكنها للتفاني حين يحزن الوطن، أخبرهم يا حكيم أن الضمائر الحية والانتماء يأتي من حليب الأم فلا يُباع ولا يُشترى. أخبرهم أن الأوطان حين تحزن لن يبكي عليها إلا الشرفاء... قل لهم يا حكيم أن الإنسانية قدر وقضاء من الله يهديه لمن يملكون القلوب...قل لهم أن العمل ليس من أجل أجر وإنما من أجل طفل سيكبر ويبني وطن.
يشار إلى أن الشهيد عيسى برهم (42) متزوج وهو أب لأربع من الأبناء، وحاصل على شهادة البكالوريوس بالقانون من المغرب، ومن ثم حصل على منحة ودرس العلوم الجنائية وكان من المتفوقين، وعمل 7 سنوات في وزارة العدل، ثم حصل على منحة أخرى نتيجة تفوقه للحصول على شهادة الدكتوراه في العدالة الجنائية، ثم عاد إلى أرض الوطن وأصبح وكيلاً للنيابة العامة في محافظة سلفيت.