نابلس – نبأ – علا مرشود
رغم صغر حجم فلسطين جغرافيًا، وقصر المسافات بين المدن والقرى طبوغرافياً وعلى الورق، إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا، ففي بعض الأحيان المسافة التي تحتاج إلى نصف ساعة بالسيارة حسب الخريطة تستغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات في الواقع، ذلك وأكثر جاء نتيجة لوجود الاحتلال الذي أمعن في التضييق إلى أبناء هذا الشعب وتصعيب حياتهم في كل المجالات والأصعدة ليس آخرها الطرق والحواجز.
كما على غير عادة كل شعوب العالم وخاصة العربي الذي يستفيق على صوت الراديو مستمعًا لصوت فيروز أثناء احتساءه فنجان قهوة الصباح، فإن الفلسطيني في الضفة الغربية أول ما يبدأ به صباحه هو أخبار الطرق وجعل لذلك فقرات خاصة في الراديو وصفحات ومجموعات متخصصة لمتابعة الشأن على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وواتساب.
فلربما في هذا الصباح تعكر مزاج الجندي صاحب المناوبة فأغلق الحاجز الاحتلالي الذي يقطع طريقًا رئيسيًا بين مدينتي نابلس ورام الله أو غيرها فتسبب في تعطيل حياة مئات بل آلاف الفلسطينيين لساعات، بل أكثر من ذلك حيث انتهت حياة عدد كبير من الفلسطيينيين على هذه الحواجز إثر ارتقائهم شهداء لأن الجندي الواقف هناك المدجج بسلاحه شعر بخطر قادم من ذلك الشاب الأعزل أو الفتاة المتوجهين إلى أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم بسلام.
كان الشارع الواصل بين مدينتين نابلس وجنين شمال الضفة آخر الطرق التي تخلوا من أي وجود لحواجز احتلالية منذ اخلاء 4 مستوطنات في المنطقة عام 2005 هي: (غنيم، وكاديم، وحومش، وسانور) والتي بإخلائها لم يتبقى في هذه المناطق الواقعة شمال الضفة الغربية أي وجود ثابت لقوات الاحتلال او المستوطنين.
إلا أن العملية التي نفذها المقاومين عمر وغيث جرادات من السيلة الحارثية غرب جنين في منتصف ديسمبر الماضي غير ملامح هذه المعادلة، حيث قاموا بنصب كمين في مستوطنة حومش المخلاة الواقعة بين بلدتي برقة وسيلة الظهر على الطريق الواصلة بين نابلس وجنين وأدت العملية إلى مقتل مستوطن وإصابة اثنين آخرين بجروح بين متوسطة وطفيفة.
اتخذ الاحتلال من هذه العملية ذريعة لنصب حاجز جديد في طريق الفلسطينيين بالقرب من قرية برقة ومنطقة المسعودية في منتصف شهر شباط مطلع العام الحالي، الأمر الذي كان له تداعيات كثيرة على أمن الفلسطينيين وحياتهم وكذلك اقتصادهم، فمنذ نصب ذلك الحاجز الذي صار يشكل عقبة وخطر على الفلسطيينين أصبح المواطنون يتخذون طرقًا أخرى إلتفافية من بين القرى أكثر صعوبة وأطول مدة فقط لتحاشي لقاء العدو وما يسببه من عرقلة في إيقاف السيارات وتفتيشها تارة ومنع مرورها تارة أخرى.
أحمد مرشود من نابلس الذي تربطه علاقات قرابة ونسب مع أهل مدينة جنين والذي يزورها باستمرار يقول: "منذ وضع هذا الحاجز صار يشكل خطرًا على حياتنا، فأجبرنا على سلك طرق التفافية من بلدتي عصيرة وجبع وفي أحيان أخرى صانور وقباطية رغم أنها طرق متعبة وغير مؤهلة وفيها مناطق غير معبدة بشكل كامل".
ومن جهة أخرى فإن هذا الحال انعكس سلبًا على تجار بلدة سيلة الظهر والتي كانت تعد مركزًا تجاريًا مهما لكل المارين من طريق نابلس – جنين، ما أدى لنكسة اقتصادية في المنطقة نتيجة لسلوك المواطنين طرق أخرى، فيقول أحمد: "كنا نعتمد على بلدة سيلة الظهر في شراء اللحوم والخبز والكثير من الحاجيات نظرًا لسعرها المناسب وجودتها العالية، ولكن منذ أشهر لم نعد نشتري شيء منها لعدم تمكننا من المرور من المنطقة".
ولم يكن الحال أفضل لدى أهالي بلدة برقة حيث بدأت تضييقات المستوطنين وقوات الاحتلال على برقة والمسعودية منذ نهاية شهر ديسمبر 2021، وازدادت حدة هجمات المستوطنين وقوات الاحتلال بعد مقتل المستوطن على مفرق حومش المخلاة، ثم وضع ذلك الحاجز والذي زاد الأمر سوءً فحاصر منطقة برقة والمسعودية وكذلك شكل حماية للمستوطنين وسهل حركتهم.
وفي هذا الشأن أكد الناشط ضد الاستيطان ذياب حجي وهو من سكان المسعودية أن هذا الحاجز شكل عائقًا لحركة المواطنين وأصبح يستعمل كمقر لتجمع المستوطنين المتطرفين الذين يعتدون على الأهالي والمواطنين بضرب الحجارة على السيارات ورش الغاز، حيث تكرر مؤخرًا اعتداء المستوطنين على عائلات برفقتها أطفال.
ويشيرحجي إلى أن هذا الحاجز جزء من حملة استيطانية يشنها الاحتلال على شمال الضفة وجزء من خطة لحكومة الاحتلال بالسيطرة على مناطق سي وإعادة الاستيطان إلى شمال الضفه الغربية.
ويعقب حجي: "إن هذه الهجمات الاستيطانية وحمايتها من قوات الاحتلال تمثل الوجه العنصري لدولة الاحتلال التي لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني".