الخليل-نبأ-علا مرشود:
بعد مضي أسبوعين على عيد الفطر، لا زال خليل العوواودة من بلدة إذنا في محافظة الخليل، صائماً ينتظر عيد نصره.
خليل الإنسان والناشط المتطوع، والأب الحاني على أطفاله الأربعة، لم يشفع له كل ذلك في إنهاء معاناته، بل يعتبر ذريعة ودليلاً لدى احتلال لا يفقه معنى الإنسانية بالاحتماء بـ"الملف السري".
خليل أب لأربع طفلات أكبرهن ٤ سنوات وأصغرهن سنة ونصف سرق الاحتـلال والدهن وسلط عليه سيف الاعتقال الإداري، عُرف عن خليل أخلاقه الحسنة وسيرته الطيبة فهو الحافظ لكتاب الله البار بوالديه الوفي لصاحبه والحنون على بناته والمحب لزوجته.
وهو مثال للشاب المثقف والواعي والمعروف بحكمته والناشط في مجتمعه فقاد عدد من الحملات التطوعية على رأسها حملة لشراء سيارة دفاع مدني لبلدته إذنا، وأخرى لإعادة بناء مركز صحي للبلدة وبالفعل بعد ما تم اعتقاله طرح عطاء من قبل شركات خاصة وتم البدء بأعمال تعمير المشفى.
ولم يكن خليل يفوت على نفسه فرصة المشاركة في أي وقفة تضامنية لكل شرائح المجتمع سواء وقفات أسرى نفق الحرية أو الأسرى المضربين عن الطعام أو ذوي احتياجات خاصة فتقول زوجته: "في إحدى المرات كان في طريقه من الخليل إلى بيت لحم وصادف وقفة تضامنية مع ذوي الاحتياجات الخاصة فما كان منه إلا أن أوقف السيارة وشارك بالوقفة".
مع كل موعد إفطار غصة
في الحديث عن شهر رمضان والعيد الذي يميزه دائمًا جمعة العائلة إلا أن عائلة العواودة كانت لمتهم منقوصة، الأمر الذي شكل عليهم حرقة وغصة في قلوبهم فتقول زوجته دلال: "كنا نتناول وجبة الإفطار بغصة ونحن الذين عرفنا مشاعر الجوع والعطش ولكن ينتهي ذلك بأذان المغرب وموعد مع الإفطار إلا أن خليل يتم اليوم الـ75 من الإضراب وحتى هذه اللحظة ليس له أي موعد مع الإفطار".
وتضيف: "كنا ننتظر أن يأتي عيد الفطر السعيد ويكون عيد فطر للمسلمين وعيد نصر لخليل ولكن اليوم وبعد أسبوعين على مضي عيد الفطر وحتى هذه اللحظة لم يأتي عيد نصر خليل".
التخرج حلم يقف في وجهه الاحتلال
أنهى خليل دراسته الثانوية في العام 2000 بمعدل 92% وتعلم اللغة الألمانية ليحقق حلمه بدراسة الطب في ألمانيا ولكن اندلاع الانتفاضة الثانية حال دون تحقيق حلمه، ولم يستطع حتى اليوم الحصول على شهادة البكالوريوس.
لكن خليل لم يجعل من الاحتلال عقبة في طريقه وحاول أن يكمل مسيرته الأكاديمية فسجل في كلية الهندسة في جامعة البوليتكنك، ولكن عاد الاحتلال من جديد ليحول دون تحقيق هذا الحلم فبدأ معه مسلسل الاعتقالات المتكررة لتزيد عن خمس مرات يقضي ما مجموعها 12 سنة في سجون الاحتلال منها عامان في الاعتقال الإداري.
بعد خروجه من السجن في اعتقاله الأخير سنة 2019، أصر على أن يكمل الطريق فبدأ بدراسة الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة، وفي فصله الأخير وبعد أن أصبح على مشارف التخرج أعاد الاحتلال اعتقاله ليمنعه من مناقشة مشروع التخرج.
الإضراب لقضية عامة وليست خاصة
اعتقل خليل في نهاية العام الماضي ليوجه له الاحتلال تهمة التحريض على الفيسبوك، لكنها لم تثبت وحصل خليل على حكم البراءة، إلا أن الاحتلال أبقى على اعتقاله وأصدر بحقه حكمًا بالسجن الإداري وهو الثالث من خمس اعتقالات سابقة ومنذ اللحظة الأولى أخبر عائلته بنيته خوض إضراب عن الطعام، إلا أن إصابته بفيروس كورونا خلال تواجده بمركز تحقيق عتصيون أخر بدءه بمعركة الإضراب.
وذكرت زوجته دلال أن خليل خاض هذا الإضراب من أجل قضية عامة وهي قضية الاعتقال الإداري وهو السيف المسلط على رقاب كل الشعب الفلسطيني وليست على خليل لوحده، علمًا أن خليل خاض عدة إضرابات سابقة خلال أسره ولكنها كانت جماعية.
تعيش العائلة اليوم حالة من الترقب والخوف والمتابعة لكل من يتمكن من زيارة خليل في سجنه خاصة بعد دخوله مرحلة الخطر وتردي حالته الصحية، فهو اليوم بات يعاني من هزال شديد وهبوط بالدم وعدم القدرة على الوقوف نهائيًا وعدم القدرة على النطق، كما يعاني من تقيؤ الدم ويعاني من تلف في أعصاب اليدين والقدمين وتسارع في نبضات القلب وتشويش وضبابية في الرؤية لدرجة أنه جلس أمام المحامي لأكثر من نصف ساعة في إحدى الزيارات ولم يستطع أن يميز شيء من ملامحه.
ويستغل الاحتلال تنقلات العواودة اليومية بحجة الفحوصات من مسلخ سجن الرملة إلى مستشفى آساف هروفيه للتنكيل به ولكسر إضرابه وتحطيم عزيمته ما وضع العائلة تحت ضغوطات نفسية وأخرى من قبل الاحتلال نفسه لتقنع خليل بفك إضرابه إلا أن زوجته تعقب: "خليل خاض هذه المعركة بأمعائه الخاوية ونحن معه من خارج الأسوار نسانده وندعمه حتى نيل حريته".
وتتحدث دلال العواودة بغصة وحرقة عن تفاعل المجتمع والمؤسسات الحكومية والغير حكومية وكذلك الحقوقية مع قضية خليل التي تكاد تكون معدومة فتقول: "أصبح الناس يتعامل مع الأسرى كقضايا خاصة تخص عائلة الأسير نفسه ولكن نحن نقول أن قضايا الأسرى وإضراب الأسرى عليها أن تكون على سلم أولويات المؤسسات الحقوقية والحكومية والمسؤولين في كافة الفصائل".
وأبرقت العواودة رسالتها للمسؤولين وللشارع الفلسطيني ولكل إنسان حر وشريف وللمؤسسات على اختلافها لانقاذ حياة زوجها فقالت: "خليل خاض هذه المعركة لوحده لكنه بحاجة لمن يدعمه ويسانده وبحاجه للشارع الفلسطيني ليوصل رسالته للعالم وللمسؤولين ليضغطوا على الاحتلال سياسيًا".