القدس-نبأ-إسلام عمارنة:
ارتقت إلى السماء، صاحبة الكلمة الحرة واللسان الحق، الصحفية المخضرمة شيرين أبو عاقلة 51 عاماً، في عملية اغتيالٍ واضحة صباح الأربعاء، الحادي عشر من مايو الحالي على أطراف مخيم جنين الثورة.
الصحفية شيرين، كرست حياتها في سبيل إعلاء صوت المظلومين من الشهداء والأسرى والجرحى في فلسطين، ورغم كونها يتيمة الأبوين، ولديها شقيق واحد، إلا أن فلسطين كلها باتت لها عائلة، وكأنّ كل بيت فلسطيني فقد أعز أفراده؛ كما وصف الكثيرون.
صحفيون: فقدنا جزءاً من ذواتنا
الصحفية المقدسية كريستين ريناوي قالت: "إن الصحفيين، الذين غطوا مئات جنازات الشهداء ووثقوا أوجاع الناس ونقلوه بكلماتهم وتقاريرهم وتغطياتهم، فجأة ارتبطت ألسنتهم وعجزوا عن التعبير وأصبحوا هم ذوو الشهيدة".
وأضافت: "بكتها كل فلسطين والعرب والأحرار، موكب تشييعها، توقف في كل قرية ومخيم في الطريق من جنين إلى نابلس إلى رام الله حتى القدس، توقف الناس بسياراتهم على جانب الطرقات وشاركوا بالتشييع في كل نقطة، توقفوا وألقوا لجثمانها التحية ونثروا عليها الورود".
وأشارت الريناوي، إلى أن جثمان شيرين لُفّ بعلم دولة فلسطين التي التزمت بنقل صوتها وصورتها على مدار ثلاثين عاماً، حتى أنّ شعبنا بمسلميه ومسيحييه صلى عليها جنباً إلى جنب وكل واحد بصلاته.
وعبرت عن حزنها بفقدانها زميلتها في العمل بقولها: "ملاك الصحافة وليست سيدتها فقط، مصاب أليم على أصدقائها الذين كانوا بمثابة عائلة، وعلى أسرة مكتبها في الجزيرة الذين زاملوها على مدار 25 عاماً، حزن عميق يفجر صدور زملائها ممن عملوا وتعاملوا معها في ميادين الوطن ويعرفون من هذه الأستاذة في الصحافة والأخلاق والإنسانية، مصاب أليم على الجسم الصحفي الفلسطيني والعربي والعالمي، وعلى كل الإنسانية".
شيرين، مثلت الوجع الفلسطيني
جيفارا البديري، زميلتها وملازمتها الدائمة، كتبت في نعي شقيقة روحها: "أصعب شيء ممكن أن أنشره في حياتي .. لم ولن أصدق .. ولا كلمات كل موسوعات ومعاجم الدنيا يمكن ان تصف ما أشعر و يشعر به زملائي وكل فلسطين.. لأول مرة أفشل في كتابة خبر ونشر صورة"!
المدير العام السابق لقناة الجزيرة ياسر أبو هلالة، نعى شيرين بقوله: " قضت شيرين ربع قرن، وهو نصف عمرها، توثق جرائم الاحتلال الذي استهدفها من المهد إلى اللحد، فقد ولدت بعد ثلاث سنوات من احتلال الصهاينة القدس".
وأضاف أن شيرين حرصت على تأكيد هويتها المقدسية، وعلى الرغم من حصولها على الجنسية الأميركية، "إلا أنها أصرّت على البقاء في القدس ومواجهة الاحتلال بوجودها الإنساني، رغم هشاشته أمام قسوة الاحتلال، وجدّدت قبل شهور جواز سفرها الأردني وهويتها المقدسية".
ولفت أبو هلالة الى أنه "خلال ربع قرن من العمل والصمود والمواجهة، دخلت شيرين كل بيت، وصارت جزءا من حياتنا، هي ومن تمثلهم، شهداء وأمهاتهم وأطفالهم، الأسرى ومن ينتظرهم، المقاومة وأبطالها، القدس المخيمات الحواجز الجدار العازل .. تعبت وأتعبت".
وختم بقوله: "وداعا شيرين، آن لك أن ترتاحي".
الصحافة فقدت علماً من أعلامها
أما الصحفي محمد دراغمة صديق شيرين وزميلها، قال: "يصعب تخيل المشهد الإعلامي بلا شيرين، فقد كانت تتصدره بجدارة، جمعت فيه المهنية والإنسانية كانت تملأه حياة".
ووصف طبيعة إخلاص شيرين في عملها لأجل القضية الفلسطينية، وأضاف: "مهنياً، كانت شيرين إعلامية من طراز خاص واستثنائي؛ وأضاف أنها كانت تتقن الانحياز المطلق للحقيقة، والابتعاد كلياً عن كل ما يشوش وعي ومعرفة المتلقي، "كانت قادرة على فصل مشاعرها الشخصية والسياسية عن رسائلها الاخبارية في بلاد تطغى فيها السياسة والتسييس على كل شيء".
وأوضح ضراغمة أن شيرين كانت قادرة على السيطرة على نبرة صوت محايدة حتى في أكثر اللحظات والمواقف تأثيراً، "إنسانيا، حملت شيرين معها كل ما تربت عليه في أسرتها من قيم ومثل عليا، قيم الانبياء، قيم سيدنا المسيح عليه السلام في التسامح والتصالح والسمو فوق الواقع والألم".
ووصف ضراغمة الجانب الديني لشرين قائلاً: "كانت شيرين متدينة بالمعنى الروحي العميق، كان لديها علاقة روحية خاصة مع الله لا يعرف الناس عنها شيئا".
وعلى صعيد حياتها الاجتماعية أكد ضراغمة على أنها كانت إنسانة نبيلة في كل المواقف، وأضاف: "كنا نقول عنها.. حصة الغائب، التي تبحث دائما عن الإيجابي في الغائبين على خلاف عادة الناس.. لقد كانت إنسانة استثنائية، كأنها من روح السماء".
وأردف أن شيرين تزاملت مع الإعلاميين في تغطيات صحافية محلية ودولية عديدة وطويلة، جعلتهم أفراد أسرة واحدة، احتلت فيها شيرين دائما مكانة الأخت والابنة والأم.
وختم ضراغمة حديثه بالقول: "وداعاً للجسد، لكن روحك باقية، ورسالة شيرين أبو عاقلة باقية، لروحك الرحمة والسلام".
وفي النهاية، نقول وداعاً للجسد، لكن روحك باقية ورسالة شيرين أبو عاقلة باقية، لروحك الرحمة والسلام.