نابلس-نبأ-شوق منصور:
"لا خير في حُسن الجسوم وطولها إن لم تزن حُسن الجسوم عقولُ"، أين ما كنتِ؛ تذكري أنك قوية وجميلة، وقادرة على فعل ما ترغبين به، كوني فخورة بشكلك، عملك، شهادتك، كوني فخورة دائما بذاتك. هذا ما قالته الشابة الملهمة تحرير دويكات(30عاماً) من بلدة بيتا جنوب نابلس، والتي تعاني من قصر القامة بسبب نقص الكالسيوم بالعظام.
وتسرد دويكات قصتها في حديث لها مع "نبأ": "كنت طفلة طبيعة كأي طفلة، ولكن عندما أصبح عمري عامين تأخرت عن المشي فاستغربت والدتي وبدأت تبحث عن السبب وبدأت من هنا رحلتي بالعلاج بالمستشفيات.
وتضيف أن عائلتها بدأت تفكر كيف تساعدها كي لا تتطور المشكلة لديها عندما تكبر، وبعد عدة جلسات طبية تمكنت تحرير من المشي، ولكنها بقيت تعاني من مشكلة ضعف نمو العظام الذي سبب لها قصر القامة.
لم يكن الأمر سهلاً على عائلة تحرير في بداية الأمر، في أن عليهم تقبل الوضع، نظراً لعدم وعي تحرير الكافي بما يحدث معها في طفولتها، ولكن رزق الله العائلة الرضى بالقضاء والقدر، وهو ما تقبلته تحرير لاحقاً.
وتتابع دويكات: "كانت بداية دراستي من أصعب اللحظات، لأنك تشعر بأنك مختلف عن بقية الأشخاص، وتبدأ بسؤال نفسك لماذا أنا هكذا لماذا أنا مختلف، لم أكن أعرف أن اختلافي سيكون سبب تميّزي عن أقراني، وهو ما كانت تذكرني به أمي دوماً أن الله ميّزني عن غيري".
وتستطرد دويكات في حديثها واصفةً تأثير الكلمات عليها، فهناك كلمات كانت ترفع من معنويات "تحرير" كلمات كانت تشعر بالإحباط، "وتتساءل تحرير كيف لهم أن لا يراعو كلماتهم ولا نظراتهم، نحن تقبلنا حالنا لماذا هم لا يتقبلوننا؟".
وتكمل دويكات حديثها: كانت عائلتي هي الداعم الأول لي في جميع مراحلي وإنجازاتي، وكانت لا تُشعرني بأنني مختلفة عن إخوتي، مثلا عندما كنت في المدرسة كان حلمي الوحيد أن أكتب على السبورة كباقي زميلاتي وخصوصاً أني أمتلك خطاً جميلاً أريد أن يراه الجميع، فأحضرت لي والدتي "طرابيزة" وتمكنت من الكتابة على السبورة، وبعدها أصبحت "الطرابيزة" ترافقني كظلي، دون خجل.
تتحدث لنا دويكات عن مرحلتها الثانوية وتقول: "لم أكن في بداية الدراسة من المتفوقات أو من اللواتي تهتم بدروسهن، ولكن إصرار أمي على التميّز بقولها “إذا لم تنجحي سوف اجعلك تعيدين الثانوية 10 مرات حتى تنجحي" وشقيقها قال لها" اتعلمي مشان إحنا نعتازك مش انتي تعتازينا" رغم أن هذه العبارات كانت عفوية وسريعة إلا أنها كانت دافعاً لها للتفوق في دراستها وتنهي الثانوية العام وتبدأ مرحلة الجامعة.
كانت لدى تحرير موهبة الرسم لذا في البداية اختارت كلية الفنون في جامعة النجاح، وخلال فصلها الدراسي لاحظت تحرير أن هذه الكلية تتطلب أن يساعدها أحد فهي تحتاج لمتطلبات عدة، ولكي لا تبقى محتاجة لأحد، قررت ترك الكلية والتحويل إلى جامعة أخرى بتخصص آخر.
واختارت تحرير تخصص الخدمة المجتمعية لحبها للعطاء وللتطوع، ولديها مشاعر فياضة بحسب تعبيرها، حيث وجدت نفسها في هذا التخصص بالإضافة إلى أن التخصص زاد من ثقتها بنفسها ومن إرادتها ومن طموحها، لتحقق ما تريد رغم ما تعانيه.
وتضيف تحرير: "أتذكر موقفاً حدث معي ولن أنساه عندما كنت متوجهة إلى الجامعة كان يقف شابان وبدأوا يتحدثون عندما شاهدوني أنتظر السيارة "أين تذهب فقال له إلى الجامعة فرد عليه، ليش شو بدها تصير شو مغلبها تا تروح" هذه الكلمات زادت من إصراري للنجاح والتفوق، وأنهيت دراستي الجامعية ومن ثم تقدمت للتربية وفي نفس العام تعينت كمرشدة اجتماعية في إحدى المدارس.
تتابع لـ"نبأ": " بدأت العمل كمرشدة تربوية أتذكر أول يوم لي في المدرسة ونظرات الطالبات لي، وتساؤلاتهم من هذه هل هي طالبة جديدة، لم أتأثر بل العكس ابتسمت وقلت لهم قبل أن يسالوني أنا مرشدة وأنا قصيرة القامة هكذا خلقني الله، وجعلني مميزة ومختلفة عن الجميع.
كانت تحرير تعاني من صعوبة التنقل والمواصلات، لذا فكرت بأخذ شهادة سياقة، وبدأت تبحث عن الانترنت عن سيارات تناسب الأشخاص الذين لديهم مشكلة قصر القامة ووجدت سيارة وحيدة في فلسطين، وسرعان ما التحقت بمدرسة لتعليم السياقة، حيث رفض المدرب تعليمها وقال لها هل فعلا سوف تستطيعين القيادة؟ ورفض بحجة أن لديه عدد كافي.
وتكمل تحرير: لحسن حظي عندما رفض المدرب تعليمي كان هناك مدرب آخر وقال لي أنا سوف أقوم بتدريبك أنتِ سوف تتعلمين، "هذه الكلمات جعلتني أقوى وزادت من إصراري على التعلم لأنني شعرت أنهم راهنوا علي".
وبدأت تأخذ دروس في السياقة حتى تمكنت من فترة قصيرة من الحصول على الشهادة، وقامت بشراء سيارة لنفسها، كي تعتمد على ذاته ولكي تتمكن من مساعدة عائلته كما كانوا يساعدونها.
تحرير كانت لديه عدة مواهب ورغم أنه تركت كلية الفنون إلا أنها استمرت في الرسم وبدأت ترسم على الزجاج وتنشر أعمالها على مواقع التواصل الاجتماعي ليكون عمل ثاني لتحرير إلى جانبه عمله كمرشدة، وحصلت تحرير على لقب الملهمة على مستوى فلسطين بتكريم من الاتحاد الأوروبي لعام 2022، وحصلت على العديد من الدورات، وهي الآن على مشارف الانتهاء من برنامج الماجستير.
وتطمح تحرير أن تأخذ شهادة الدكتوراة وأن تصبح سفيرة لفلسطين لكي تصل رسالتها إلى العالم أنه لا يوجد شيء مستحيل في الحياة، وكل شيء بالقوة والإرادة والإصرار يتحقق، وتصبح شخصًا ملهمًا ومؤثرًا على مستوى العالم.