نبأ – نابلس - نواف العامر
تزدحم أسفار البطولة عبر التاريخ بحواري بلدة عقربا وشوارعها وأزقتها وتلالها ووديانها وخربها وأراضيها الممتدة للحدود الأردنية ممثلة بذلك أكبر بلدة بسعة أراضيها فيما لم تلتقط أنفاسها منذ أيام جراء حملات الحصار والتفتيش والتخريب والاعتقال بحثا عن مزاعم احتلالية بوجود منفذ عملية زعترة بين ظهرانيها.
ويتناقل ريف نابلس ومدينتها رواية عقيب احتلال الضفة الغربية إذ يقول أحد الأزواج لزوجته بحزن: سقطت الضفة، فقالت، وعقربا بلد السبع حمايل وفيها رجال البواردية سقطت، مصيبة وحلت عالبلاد يا كشيل روسنا، وفق ما يقوله الباحث في التراث حمزة ديرية العقرباوي.
عقربا التي تعتبر عاصمة لقرى وبلدات المشاريق كتجمع ريفي جنوب شرق نابلس يفرض عليها الاحتلال حصاره المشدد منذ أيام وينفذ حملات اعتقال ودهم وتفتيش وتخريب عبر جنود من وحداته المختارة يمام، لم تسلم مساجدها من التدنيس ومنع المصلين من وصولها.
وفور توارد الأنباء عن العثور على سيارة يشتبه أنها كانت في ساحة عملية زعترة عمد أهالي البلدة لإحراقها بالنار حتى لا يتمكن الاحتلال من الاستفادة من أية معلومة قد تكون فيها في خطوة متقدمة لكسر شوكة الاستفادة الأمنية وهو ما يفسر بحرق المعلومة وإرباك المحتل قبل حرق الهيكل المعدني.
وكان من أبرز المعتقلين في بداية الحملة الشيخ عماد فتح الله تلاه اعتقال زوجته أمل بني منيه، فيما تقاطر الأهالي لمنزلهم للتضامن مع العائلة وأعلن عن تنظيم حملة مجتمعية محلية للمساعدة في الاهتمام بالحيوانات والمواشي التي يقتنيها فتح الله.
ويروي الباحث حمزة العقرباوي على حائط جداره الأزرق الفيس بوك حكاية الفدائي أبو زيد محمود الحلو الذي كان مطلوبا للاحتلال البريطاني أربعينيات القرن المنصرم ولم يتمكنوا من الإمساك به، وصلتهم معلومات بتواجده ليلا مع أغنامه في خربة الطويل التابعة لعقربا، دهموا مأوى الحلو، خشيت زوجته حفيظة أبو هلال على نفاذ ذخيرة مسدسه فحملت أمشاط الرصاص في ثيابها لتنجده، وشوهدت تنتقل في الموقع فأطلق الجنود رصاصهم القاتل نحوها فقضت شهيدة، لتصبح مفخرة لزوجها وعائلتها وبلدتها ووطنها.
ويتساءل رئيس بلدية عقربا في حديث لوكالة الصحافة الوطنية "نبأ" عن جدوى تفاصيل التخريب وحملات الدهم والتدنيس، ويقول إن تاريخ البلدة سجل عبر العصور أنها لم ولن تنكسر، ما خضعت ولن تخضع، عقربا تملك من الحضور والمخزون الفدائي عبر التاريخ ما يمكنها من كسر الاستهداف بالصبر والوعي.
ويسرد حمزة ديرية قصة المظاهرة الكبيرة إبان ثورة البراق عام ١٩٢٨، عندما انطلقت مسيرة قرى المشاريق وبضمنهم أهالي عقربا نحو مقر الكشلة للحاكم البريطاني المحتل في نابلس، تم عمل حاجز صادر بندقية المارتينا التي يملكها الحشد، واصل طريقه نحو المقر، وهناك أخرج صالح أبو مرشد العقرباوي قنبلة وقذفها نحو جنود الاحتلال وهو يقول، اخذتوا المارتينا وخذوا هاي معاها. تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن لعام بسبب قنبلة غضبه وثورته التي لم تصب أحدا.
وعن تاريخ عقربا وسيرتها في مواجهة الاحتلالات يروي رئيس البلدية ميادمة المعروف بأبي القعقاع، حكايات الأبطال خميس العقرباوي وعبد الله البيروتي العقرباوي، الذين قاتلوا الاحتلال البريطاني، وبعد دفن الشهيد خميس، تجرأ المحتل على نبش قبره وإخراجه لكن الضابط العسكري المسؤول لم يملك سوى أداء التحية العسكرية لجثمانه كمقاوم شرس يستحق الثناء وفق البروتوكولات العسكرية.
ويتابع أبو القعقاع: كانت عقربا مشهورة بأنها بلد رجال البواردية الذين يمتشقون البنادق والبارودة وعددهم كان كبيرا في العهد العثماني وضمن الجيش وألويته المتصفة بالجرأة في إخماد التمردات في المناطق الوعرة والجبلية ومنها جبل الدروز نظرا لشدة بأس رجال عقربا وشبابها وثوارها.
وتمتد جذور الثورة والغضب في أرجاء عقربا قديما وحديثا حيث برز من رجالاتها في الثورة المعاصرة موسى أبو كبر وأبو هدبة اللذين حكموا بالمؤبدات في سجون الاحتلال عقب مشاركاتهم المميزة في معارك الأغوار وأطلق سراحهم في صفقات التبادل ثمانينيات القرن الماضي فيما يعتبر أبرز شهداء عقربا مهند أبو الحلاوة أحد قيادات العمل العسكري لحركة فتح كذراع مقربة من القيادي مروان البرغوثي المحكوم بالمؤبدات.
وأبعدت قوات الاحتلال في العام ١٩٩٢ إلى مرج الزهور اثنين من البلدة وهم أيمن أبو شهاب وبشار الزغير فيما تمكن أبرز مطاردي حركة حماس وهو مهدي خاطر من عبور الحدود بعد سنوات من الجهاد والمطاردة.
ويضم المكتب السياسي لحركة حماس في عضويته سامي خاطر المتواجد في الخارج وهو من عائلات عقربا المشهورة بها بلد السبع حمايل أي السبعة حمائل.
ويعبر المواطن أبو خالد الجبالي وهو صاحب بيت دمره الاحتلال خلال الدهم عن النصر المعنوي بقوله: في المال ولا في العيال، الحمد لله المهم ما لقيوش اللي بدهم إياه.
وتختصر عبارة كتبها الباحث حمزة على صفحته نتيجة معركة عض الأصابع والسباق مع الوقت للعثور على منفذ العملية: عادوا بخفي حنين. فيما خط بوست آخر له: هزموا.