نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

بعد أن ذاقوا شتى أنواع القهر والتعنيف الجسدي واللفظي

"منى" تواجه وعائلتها خطر التهجير من بيتهم في حي الشيخ جراح

منى الكرد.jpg

نبأ-القدس-أسماء شلش
ضمن خطّة تطويق البلدة القديمة في القدس المحتلة، التي يعمل الاحتلال عليها منذ عشرات السنين، محاولاً إقامة حزام استيطاني يعزل الحرم القدسي عن أماكن الفلسطينيين، لكن حيّ الشيخ جراح (شرقاً) يمثّل حجر عثرة أمام ذلك، ولذا يعمل الاحتلال على تهجير سكّانه منه بحجّة عدم امتلاكهم أوراقاً تثبت ملكيّتهم للأرض.

عائلة الكرد واحدة من عائلات تقاوم الاحتلال ومستوطنيه في حي الشيخ جراح، وقد كان لـ "نبأ" لقاء مع الفتاة منى الكرد، واحدة من مئات المقدسيين المهددين بالتهجير من حي الشيخ جراح إلى جانب عشرات العائلات.

تقول منى "لا يخطر في بالي أن أعيش في مكان غير هذا، ولا أستطيع أن أتخيل النوم في غير هذا المكان، ولا قدرة لي على تصور مغادرة هذا المنزل الذي تحمل كل زاوية فيه ذكرى، وكل ركن فيه شاهد على أحداث طفولتي ومراهقتي وحاضري. ففي ثناياه ترعرع والدي برفقة جدتي، وفيه تزوج أبي أمي وكان شاهداً على حب ومودة جمعهم أثمرا بمجيئي أنا وأخي التوأم محمد، ثم محمود ومها في وقت لاحق. فأي ظلم هذا الذي يجبرنا على أن نغادره، وأي حكم جائر هذا الذي يجبرنا على تركه؟".

وتضيف "هذا البيت الصغير الدافئ الذي تفصله دقائق معدودة سيراً على الأقدام إلى المسجد الأقصى كانت قد حصلت عليه جدتي إثر توقيع اتفاقية وقعت عام 1956. ضمت ثماني وعشرين عائلة من حرب النكبة وبين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والحكومة الأردنية والتي كانت مدينة القدس تحت إدارتها آنذاك".

وتوضح منى "أن تلك الاتفاقية تنص على بناء وحدة سكنية لكل عائلة من العائلات الثماني والعشرين والسكن فيها على أن تتعهد الحكومة الأردنية بتسجيل الأرض باسم هذه العائلات بعد ثلاث سنوات إن استطاعوا أن يبنوا مجتمعاً حضارياً قائماً على التعايش والسلام والمحبة بينهم، لكن الحكومة الأردنية لم تفي بوعدها وبدأت حلقات المماطلة في تسجيل الأرض باسم تلك العائلات حتى حرب النكسة عام 1967، والتي أسفرت عن احتلال القدس من قبل قوات الاحتلال وفقدان الأردن إدارتها على المدينة، وبقاء الأرض دون صاحب".

وقالت "في بداية السبعينات علمت جمعيات استيطانية بأن هذه الأراضي كانت تابعة للحكومة الأردنية وبأنها لم تقم بتسجيلها بأسماء أصحابها فقامت تلك الجمعيات بتزوير الأوراق وتسجيلها باسمهم وقاموا بتسجيلها لدى الطابو الإسرائيلي".

وتابعت "منذ ذلك الحين بدأت المحاكم، فالجمعيات الاستيطانية رفعت دعاوى على العائلات بحجة أنهم ليسوا أصحاب الأرض، وفي عام 2008 رأت تلك الجمعيات حصاد مكائدهم وكذبهم وتزوريهم واقعا، فاستطاعوا الاستيلاء على أول بيت في حي الشيخ جراح ليعيش هؤلاء اللاجئين نكبة ثانية وتشريداً آخر، تبعها في 2009 الاستيلاء على منزلين يعودان لعائلات الحنون والغاوي وتشريد عشر عائلات أيضا في مشهد قاسٍ وعنيف محفور في ذاكرتي لا أنساه أبدا".

وتسرد منى "القصة بدأت ونحن لا نزال في رحم أمي عندما قرر والدي آنذاك توسعة البيت الذي يسكن فيه مع جدتي وبناء ملحق بجانبه، حاول كثيرا أن يحصل على ترخيص لبناء الملحق إلا أن بلدية الاحتلال كانت دائما تحول دون الحصول على ترخيص، مما دفع والدي شأنه شأن الكثيرين من سكان القدس أن يباشر بالبناء دون الحصول على ترخيص، الأمر الذي كلفه بعد ذلك الكثير من المال وصل لمئة ألف شيقل غرامات بدعوى البناء دون ترخيص والكثير من الألم والقهر التي ستحمله السنوات القادمة".

وتقول "وفي يوم من أيام سنة 2000 القاسية جدا، جاء قاضي محكمة الاحتلال الغاشم وأغلق باب الملحق آخذاً معه مفتاح بيتنا، البيت الذي يحوي غرفتي التي كنت لطالما أتخيل كيف سيكون لون طلائها؟ شكلها؟ وهي تضم سريري، مكتبي، وألعابي. بقي الباب مغلقا والآمال معلقة على فتحه في يوم ما بالسكن فيه، بيد أن الأحلام تبدو مستحيلة وممنوعة في واقع محاط بأبشع احتلال شهده وطني. فبعد تسع سنوات من الإغلاق جاء قرار المحكمة الجائر بالسماح للمستوطنين بالسكن في ملحق بيتي، والسماح لهم بأخذ نصف البيت! بيتي، بيت أحلامي".

ووصفت منى شعورها في تلك اللحظة بقولها "تقف الكلمات حائرة على وصفه، مقاسمة بيتي مع عدوي! تلك والله قسمة ضيزى، بل هو استيلاء واحتلال وظلم كامل".

وتشرح كيفما لحق بها وعائلتها من قبل المستوطنين فتقول "ذقت أنا وعائلتي شتى أنواع القهر والذل والتعنيف الجسدي واللفظي وواجهنا الكثير من التصرفات الاستفزازية والتخريب عدا عن إطلاق كلابهم الشرسة علينا والتي لا تقل شراسة عن مقتنييها".

وتضيف "ما زالت المحاكم قائمة منذ نحو 49 عاما في قضية تعد من أطول القضايا في المحاكم الإسرائيلية، آخرها كان قرار من محكمة الاحتلال يقضي بإخلائنا وانتزاعنا من منازلنا بحلول الثاني من أيار كحد أقصى نحن وثلاث عائلات أخرى".

وأردفت "رغم صدور قرار الإخلاء ورفض طلبات الاستئناف إلا أننا ما زلنا متمسكين بالقشة الأخيرة من الأمل في أن تزودنا الحكومة الأردنية بالوثائق والأوراق اللازمة التي تؤكد على ملكيتنا للأرض لأن أوراق الاتفاقية التي بحوزتنا ليست مختومة ولا موقعة وبسبب ذلك ترفض حكومة الاحتلال إدراجها في الملف كما يرفضون تماما فتح ملف الأراضي".

وختمت حديثها لـ "نبأ": "نحن حقيقة نواجه خطر نكبة ثالثة وتهجير قسري يهدف إلى اقتلاعنا من أرضنا. لكننا صامدون.. باقون، ما بقي الزعتر والزيتون لا يقوى على انتزاعنا أحد".

 

 

وكالة الصحافة الوطنية