نبأ – نابلس - نواف العامر
تنتشر فضلات مصانع الاحتلال في أطراف عدة من مناطق الضفة الغربية المحتلة؛ محدثة تأثيرات قاتلة على الإنسان والبيئة حالية ومستقبلية؛ منذرة بمخاطر غير مسبوقة في غفلة من صمت الهيئات الأممية والمؤسسات الحقوقية الدولية وعجز رسمي فلسطيني عن مواجهة هذا التغول القاتل بصمت.
ويقول عامل فلسطيني في مصنع إسرائيلي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق ببقائه في عمله إن أحد اليهود القادمين الجدد من روسيا لم يتمكن من ضبط نفسه إثر مشاهداته مخلفات المصانع الإسرائيلية المزروعة في خاصرة الوطن الفلسطيني وعبثاً حاول مدير المصنع اليهودي حثه على السكوت دون جدوى.
ولا يكتفي أصحاب المصانع اليهودية المقامة على المناطق الفاصلة بين حدود عام 67 وأراضي فلسطين المحتلة عام 48 وتحديداً شرق خط الهدنة في المناطق القريبة على طول الخط (طولكرم – قلقيلية – سلفيت) لا يكتفون بإقامتها هناك واستخدام الأيدي العاملة الفلسطينية في ظروف أشبه ما تكون بالعبودية بل يقومون بإلقاء مخلفات وفضلات المصانع ونفاياتها في الأراضي القريبة أو ينقلونها في ظروف غامضة تُلقى في مجمعات النفايات ضخمة وتدفن تحت جنح الظلام كما حصل في منطقة أم التوت قرب جنين قبل عدة أعوام.
ويؤكد الباحث الدكتور خالد معالي المختص بالشأن الاستيطاني، أن الكثير من المصانع التي تقذف نفاياتها السامة تتركز في منطقة اصطلح على تسميتها "بركان الصناعية" نهبت من أراضي المواطنين في قرى حارس وقراوة بني حسان وسرطة وغيرها حيث تضم أكثر من 30 مصنعاً تنتج البلاستيك والحديد والنسيج والكيماويات والأصباغ والدهانات وتتوسع بشكل ملحوظ ومتواصل عندما تم سرقة أراضي أخرى على طريق بروقين – كفر الديك وأقيمت عليها منطقة صناعية أخرى تقوم بنفس الدمار والتخريب.
وتقوم إدارات هذه المصانع وفق الدكتور معالي بعملية خطيرة تتمثل بعملية طحن النفايات لتتحول إلى أجزاء اصغر يتم صرف كميات فيها عبر المياه العادمة لتستقر في الأراضي المجاورة محدثة خراباً بيئياً وقتلاً للأرض لتتحول إلى تربة سامة ولاحقاً لأراضي متصحرة وعقيمة فيما يتم إلقاء الكميات الأخرى في مناطق أخرى الذي يعتبر نموذجاً مصغراً لمجمعات الموت البيئي في مجالات عديدة.
ويشير معالي إلى أن أشجارا ونباتات جفت وماتت وبعضها هرم قبل أوانه ولا يستطيع الإثمار بسبب الغازات الناجمة عن المخلفات والنفايات وخاصة تلك المتحللة لتسري في الأرض بشكل غريب أو جراء الغازات والأدخنة المنبعثة من النيران المشتعلة في المكب.
وحسب تقرير سابق لوزارة الإعلام الفلسطينية حول الأضرار البيئية التي خلفتها المستوطنات وصناعاتها فإن النفايات الصلبة ساهمت في تلوث البيئة الفلسطينية بسبب وجود الاحتلال لسنوات طويلة وعدم تقديمه أية مساعدة للتخلص منها.
ويلجأ بعض المقاولين اليهود لإلقاء مخلفات الإنشاءات في مكبات خارج الخط الأخضر للتخلص من الضرائب وأجور استخدام المكبات الإسرائيلية.
ويعدد الدكتور معالي أنواع وأنماط المصانع المقامة في منطقتي طولكرم وقلقيلية وسلفيت والتي تنتج مواد ونفايات ضخمة وتشمل مصانع عسكرية في بركان ومصانع للطلاء الخاص بالمعادن ومصانع الأسمدة والمبيدات الحشرية "مصنع جيشوري" ومصانع لصهاريج الغاز ومصنع عوازل الثلاجات والأفران ومصانع البلاستيك ومصانع الأقمشة والألبسة وغيرها من المصانع الملوثة والتي تستخدم الأراضي الفلسطينية كمكبات لنفاياتهم.
ويشدد معالي على أن المخاطر الناجمة عن الملوثات الإسرائيلية للبيئة الفلسطينية بمنطقة شمال الضفة الغربية بشكل خاص كبيرة وتهدد حياة الإنسان الفلسطيني إضافة للضرر الذي تلحقه بالبيئة.
وتتلخص تأثيرات المياه العادمة من المستوطنات بتلويث مصادر المياه السطحية والينابيع وتدمير الأراضي الزراعية وتوالد الحشرات الناقلة للمرض وتعريض صحة المواطنين للأمراض بصورة مباشرة.
ويشير معالي لدراسات متخصصة خلصت إلى أن النفايات الصلبة يتم تصريفها من المستوطنات داخل الضفة الغربية أو التجمعات اليهودية داخل فلسطين المحتلة عام 48 في حين أن بعض النفايات من المستوطنات تحوي نفايات صناعية خطيرة لا يجوز تصريفها مع النفايات المنزلية.
ويؤدي تصريف النفايات غير المقيد من المستوطنات اليهودية للأراضي الفلسطينية لتناقص مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وتلوث التربة بالمواد الخطرة وانتشار القوارض والحشرات المسببة للأمراض وتعريض صحة وحياة المواطنين للخطر بشكل مباشر بسبب تلك النفايات.
ويردف الدكتور معالي معتمدا على دراسات طبية منشورة: إن هناك أضراراً كبيرة على الإنسان وصحته تتمثل بما يسمى تحريض الأنزيمات أو تثبيطها والتهاب الجلد التماسي وتحسس الجلد وحب الشباب الكلوري والبريفرية السامة المكتسبة وتأثيرات عصبية سامة متأخرة وتغيرات سلوكية وآفات في الجهاز العصبي المركزي والتهاب الأعصاب المحيطية.
وتؤدي الكثير من هذه المواد الكيماوية لأضرار على الإنسان بمجرد لمسها أو التعامل معها جراء تخزينها أو تراكمها في المكبات وتعرفها لعوامل الطبيعة أو النيران بينما الكثيرين من الرعاة أو من يقصدون مكبات النفايات أصيبوا بانفجارات مميتة أو أدت لبتر أطراف من أجسادهم أو شوهتهم بعد التقاطهم لأجسام مشبوهة من المكبات ألقتها شاحنات النفايات القادمة من المستوطنات أو معسكرات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية .يقول معالي
وجراء الاحتجاجات المتواصلة لليهود على وجود مصانع تنتج مواد خطيرة بالقرب من أماكن سكناهم اضطرت إدارات تلك المصانع لنقلها وإقامتها في مناطق قريبة من التجمعات الفلسطينية لعدة أسباب. يضيف معالي
وتعتبر الملوثات الصناعية الخارجة من مستوطنة الون موريه المقامة على أراضي دير الحطب من أهم مصادر التلوث في محافظة نابلس وتمر عبر قنوات صرف مكشوفة في قرية عزموط لاحتوائها على ستة مصانع للألمنيوم والدباغة والتصنيع الغذائي وغيرها.
ويقول الدكتور معالي أن معظم المستوطنات ومصانعها التي تلقي مخلفاتها في مناطق مجاورة لها أو في مكبات نفايات يستخدمها المواطن الفلسطيني تشتمل على مواد كيماوية لها تأثيرات سلبية على التربة والنبات والإنسان وأهم هذه الأسباب هو التخلص من المضايقات والاحتجاجات والشكاوي والمقاضاة من اليهود لإدارات المصانع من جهة والتوجه نحو مناطق تتوفر فيها الأيدي العاملة الرخيصة الفلسطينية من جهة أخرى إضافة لوجود أراضي فلسطينية على المناطق الحدودية يتم السيطرة عليها بسهولة وهي أراضي وقفية كما حصل في منطقة غربي طولكرم وان الأضرار الناجمة عن المصانع تصيب العرب وليس اليهود.
ولا يخفى اعتبار الأرض الفلسطينية مركزا لمصانع الاحتلال ونفاياته مدى الربح الاقتصادي الذي يجنيه المستثمرون اليهود ورجال الأعمال من وجودها في الأراضي الفلسطينية تترافق مع إعفاءات ضريبية كبيرة ولسنوات طويلة لمن ينقل مصانعه إلى أراضي الضفة الغربية، وبذلك تكون المصانع وامتداداتها ومخلفاتها بمثابة من يقوم بخنق المدن الفلسطينية وتجمعاتها السكانية.