نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

نبأ- وكالة الصحافة الوطنية

وسط معاناة مستمرة لأهالي نابلس..

"كاسر الأمواج" يتحطم على صخرة الرصاص عند "قبر يوسف"

نابلس - نبأ - شوق منصور:

هادئاً تماماً، هذا هو حال منطقة قبر يوسف شرقي مدينة نابلس، طالما أن الاحتلال ومستوطنيه بعيدون عنها، بهذا التوصيف عن حال المنطقة استهل سكان منطقة "بلاطة البلد" حديثهم لـ"نبأ".

إرثٌ مسروق

يتذرع الاحتلال بأن "قبر يوسف" الذي تبلغ مساحته 600 متر مربع، هو مقام ديني لليهود، تدّعي فيه روايتهم التي لا تقوم على دليل قاطع، بأنه قبر النبي يوسف عليه السلام داخل غرفة المقام الجنوبية وفي غرفته الشمالية، استراحة تستخدم كمدرسة دينية لممارسة الطقوس التلمودية، فيما تدحض هذه الرواية، الحقيقة الفلسطينية بأنه مقام لرجل صالح يُدعى "يوسف دويكات"، تكسوه قبة مبنية على الطراز الإسلامي، وهو موقع أثري مسجل لدى دائرة الأوقاف الإسلامية، وكان مسجداً قبل أن تسيطر عليه (إسرائيل) عام 1967.

طوال السنوات السابقة وقبر يوسف بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة يشكل نقطة احتكاك ومواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال ومستوطنيه الذين يعمدون لاقتحام القبر بحجة أداء صلواتهم التلمودية.

ومنذ عام 2007 ينظم المستوطنون اقتحامات بما يعادل مرة كل شهر لقبر يوسف، بحماية قوات الاحتلال وعادة ما يكون الاقتحام من الساعة 10 صباحا ولغاية الساعة 4 مساء، وخلال فترة دخول المستوطنين إلى المنطقة تمنع قوات الاحتلال سكان المنطقة من الحركة والتنقل، ويكون الوضع أشبه بحالة منع التجول، إذ تحول القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها جيش الاحتلال منذ عام 1990، وصنف في العام ذاته واحداً من الأوقاف اليهودية بحسب ما تسمى "وزارة الأديان الإسرائيلية".
     
المواطن رمزي دويكات من سكان المنطقة تحدث لـ"نبأ" عن منطقة يوسف، باعتبارها من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في المناطق الشرقية لمدينة نابلس، فهي تقع في قلب قرية بلاطة البلد المحيطة بمخيم بلاطة عسكر البلد وعراق التايه.

وبحسب دويكات فإن الوضع في تلك المنطقة خلال الأيام التي لا يكون فيها اقتحامات للمستوطنين وقوات الاحتلال، يكون الوضع هادئاً تماماً، لكن الأمر يختلف في اليوم الذي يكون مقرر دخول المستوطنين للقبر يوسف.

ويصف دويكات الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن قبر يوسف، حال الليلة التي يقتحم فيها المستوطنون المنطقة، بأن الوضع يكون أشبه بأيام الاجتياحات وحالة حظر التجول التي يفرضها الاحتلال، الذي يمنع دخول وخروج المواطنين من وإلى منازلهم وأن عليهم البقاء فيها حتى انسحاب قوات الاحتلال ومستوطنيه من المنطقة.

معاناة المواطنين تزداد عند حدوث أمر طارئ يضطره للتأخير، فلا يصل إلى منزله قبل دخول قوات الاحتلال مما يضطره للبحث عن مكان يقضي فيه تلك الليلة.

ويتابع دويكات حديثه: "هذا ما حدث معي في أخر مرة تم اقتحام المنطقة، وصلت باب البيت مع دخول قوات الاحتلال قبر يوسف، ولم يسمح لي ضابط الجيش بالدخول رغم أنني أخبرته أن هذا منزلي، الذي نقف أمامه فاضطررت للعودة إلى مدينة نابلس للمكوث عن أحد أقربائي حتى انسحاب المستوطنين من المنطقة".

وأشار إلى أن المعاناة تلاحق المواطنين حتى وهم في منازلهم في ليلية الاقتحام نتيجة المضايقات التي يتعرض لها السكان، والاعتداءات على المواطنين، بالإضافة إلى الإزعاج الذي يتسبب به المستوطنون أثناء أداء صلواتهم، لاسيما صوت الموسيقى المزعجة وقنابل الغاز والمسيل للدموع، وحالة الخوف والتوتر التي يعيشها سكان القرية وحالة الترقب لما قد يحدث نتيجة الاقتحام.

المعاناة لا تقتصر على سكان المنطقة

من جانبه قال المواطن مجد دويكات لـ"نبأ": إن المعاناة لا تقتصر على سكان المنطقة فقط، لأن قبر يوسف يقع في شارع عمان وهو من الشوارع الحيوية التي تربط الأحياء الشرقية تحديدا المساكن الشعبية والقرى الشرقية مثل (سالم وعزموط والباذان والنصارية) بوسط مدينة نابلس.

وبحسب دويكات فإن المواطنين الذي يقطنون في تلك المناطق تنطبق عليهم ذات الإجراءات التي يفرضها الاحتلال، ما يمنعهم من التنقل أثناء اقتحام المستوطنين قبر يوسف، وبالتالي عليهم الرجوع إلى منازلهم قبل عملية الاقتحام.

وأوضح دويكات أنه في السادس والعشرين من شهر تموز الماضي كان من المقرر أن يقتحم المستوطنون قبر يوسف، ولكن قبل الاقتحام بـ 24 ساعة أعلن جيش الاحتلال تأجيل الاقتحام حتى نهاية أغسطس، من أجل تعزيز تأمين دخول المستوطنين، بعد محاولات التصدي للاقتحامات، والاشتباكات المسلحة المتكررة التي تعرضوا إليها.

ويتوقع دويكات أن تقتحم قوات الاحتلال المنطقة ولكن بإجراءات أكثر تشديداً مما كانت عليه، والذي سوف ينعكس بطبيعة الحال على سكان المنطقة، الذي يعيشون حالة من الترقب لما قد يحدث في حال تم اقتحام المنطقة.

لم تتوقف محاولات الاحتلال فرض واقع جديد في منطقة "قبر يوسف". وتتنامى الدعوات التي يطلقها رؤساء مجالس المستوطنات للضغط على الحكومة لضم القبر إلى منطقة "السيادة" الإسرائيلية، ما يعني تهديد حياة أكثر من 30 ألف عائلة فلسطينية مهددة بالتهجير في حال جرت المصادقة على إقامة بؤر استيطانية دائمة في منطقة "قبر يوسف".

في نهاية يونيو الماضي، اندلعت مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال في محيط القبر، ما أدى لإصابة عشرات الفلسطينيين، فيما تم استهداف جنود الاحتلال ومستوطنيه بالرصاص، ما أدى لإصابة قائد جيش الاحتلال في محافظة شمال الضفة وثلاثة مستوطنين آخرين.

حملة فاشلة

وعلّق محللون على الحادثة، وتأجيل اقتحام المستوطنين بعدها إلى أجل غير مسمى، بربطها بما تسمى عملية "كاسر الأمواج" الأمنية التي أطلقتها سلطات الاحتلال في محافظات الضفة، في محاولة القضاء على موجات المقاومة المسلحة التي باتت تنتشر عدواها بين المحافظات.

بدوره عزا المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع، تصاعد الأوضاع الميدانية وتحول لغة المواجهة من رشق للحجارة إلى إطلاق النار وما جرى في الفترة الأخيرة في نابلس وجنين أنه أحد أسباب تأجيل الاقتحام لقبر يوسف.

وأشار مناع في مقابلة له مع "نبأ"، إلى أن المسألة الأمنية مهمة لدى جيش الاحتلال، فهو يرى أنه يفتقد لتوفير الأمن للمستوطنين عند الاقتحام، لذا قام بتأجيله.

ويعتقد مناع أن الاحتلال يتعامل مع الموضوع من شقين الشق الأول وهو ما يمارسه منذ أشهر المتمثل بعملية "كاسر الأمواج" وهو يحاول من أن يحد من ظاهرة الاشتباكات المسلحة في الضفة وخاصة في جنين ونابلس، فهو سوف يحارب هذه الظاهرة وسوف ينفذ حالات اعتقالات ومداهمات واغتيالات للحد من هذه الظاهرة.

أما الشق الثاني فهو محاولة التنسيق مع السلطة الفلسطينية ووسطاء من أجل تهدئة الوضع في الضفة وبالتالي يوفر الأمن لعودة الأمور إلى طبيعتها إلى "قبر يوسف" كما يقول.

وأشار مناع أنه باعتراف جيش الاحتلال وكثير من الكتاب والمحللين ومراكز الأبحاث "الإسرائيلية" فإن الاحتلال فشل في عملية "كسر الأمواج"، والدليل على ذلك أن الاشتباكات المسلحة كانت مقتصرة في مخيم جنين ثم انتقلت إلى نابلس وطوباس وكثير من مناطق الضفة، فما من اقتحام لمدينة أو قرية إلا ويحدث اشتباك.

وأكد مناع على أن الاحتلال لن يحقق أهدافه في عملية كاسر الأمواج، فهو يعتقد انه باغتيال المقاومين او اعتقالهم يرى في ذلك انجاز ولكن في الحقيقة ليست انجاز بل تزيد من اقبال الشباب وتنمي الحماس والاصرار للانضمام في صفوف المقاومة.

وبحسب مناع فإن الاحتلال يهدف من عملية "كاسر الأمواج" حصر عناصر المقاومة في أشخاص معينين ومن ثم اغتيالهم أو اعتقالهم بالتالي تنتهي الظاهرة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

وكالة الصحافة الوطنية